مين رح يضرب مين؟

TT

الشرق الأوسط منطقة «ملغمة» مليئة بالعجائب والغرائب، وبات السؤال التقليدي صبيحة كل يوم لأبنائه هو «يا ترى اليوم من سيضرب من؟» لأن الضرب كفكرة وكمبدأ سياسي أصلي بات قائما وحاضرا بقوة . الكثيرون يسألون هل ستضرب إسرائيل إيران؟ وهل ستضرب إيران اسرائيل؟ وهل ستضرب تركيا شمال العراق؟ وهل ستضرب اثيوبيا السودان؟ وهل سيضرب لبنان؟ لا توجد منطقة أخرى من العالم بأسره تحمل هذا القدر من القلق والتعامل مع عنصر «الغير معروف» و«المجهول» مثل منطقة الشرق الأوسط! هناك أنظمة «قلقة» باتت لا تستطيع الاستمرار سوى بحال القلق الذي تقوى به وتنمو معه، لعل الجميع لا يزال يذكر نظام صدام حسين والذي كان يصطنع المشاكل والمعارك والقضايا حتى يبقي وضع الطوارئ قائما وحالة التشنج باقية وتكون غاية الاستبداد تبرر كل وسيلة ممكنة. ونفس الفيلم المرعب عايشته مصر أيام الحكم الناصري وتبعات الاضطراب المتشنج الذي كان يسود العلاقات المصرية مع عدد غير بسيط من الدول العربية، وطبعا هناك اسرائيل المارقة بكل المقاييس والخارجة عن النظام الأممي بوضوح، لا تستقر إلا بحالة اللاستقرار، وتاريخها مليء بعشرات الأمثلة التي تدعم وتؤكد ذلك. واليوم إيران والتي من خلال «مهرجان» تصدير الثورة الذي تبنته نهجا وفكرا حتى تحول من مشروع ديني الى مشروع سياسي بامتياز أوجد بؤرة من التوتر والقلق وجيوب من الفتن والعنف في أكثر من موقع بالمنطقة، واليوم تؤجج المنطقة وتوضع على صفائح النار الملتهبة نتاج حماقتين هائلتين: إدارة فقدت صوابها وحكمتها وانطلقت ذات اليمين وذات الشمال تكيل الاتهامات بشكل استباقي فج، تحسب أنها تحمي نفسها وتصون العالم، والواقع أنها تزيد من مشاكله وتفاقم من اضطرابه، وهناك «ثورة» استعرت فلم تعد تفرق بين عدو وصديق ولا بين استقرار وخراب. واليوم ها هو السودان يدخل في نفق مظلم وعقوبات خطيرة منتظرة ستطال رأس السلطة فيه وتزعزع من الهيكل السياسي الموجود بالبلاد، وهذا النفق كان من الممكن تفاديه لو أحسن السودان إدارة الأزمة الموجودة في دارفور ولم ينظر إليها «كمؤامرة» ضده ولا كمشروع سياسي مضاد بدلا من أن يتعامل معه كفكرة ومشروع انساني بحت، ويتم التعرض للمشاكل الناتجة عن قصور الخدمات والتنمية، وايضا السكوت المعيب بحق الممارسات الهمجية التي كانت تمارس ضد أهالي دارفور من قبائل وعصابات ومليشيات مدعومة (وبغض النظر على تصرفاتها) من الحكومة والقوات العسكرية فيها. هذه النوعية من المشاكل مهما اهملت لا بد أن تكون كالورم الذي سرعان ما سينفجر ويملأ الصديد مكانه وبعدها تنتشر السموم بشكل مميت، ولذلك من نافلة القول إن السودان أخطأ في حق نفسه ولم «يقرأ» جيدا أزمة دارفور ويتوقع تبعاتها. ودارفور سابقة خطيرة جدا، مرشح أن تأتي بعدها ملفات أخرى لا تقل خطورة، لعل أبرزها الصحراء الغربية وملف الأقباط في مصر.

الحذر مطلوب واتخاذ العبر والدروس مطلوب أكثر.

[email protected]