ملينا هذا الخلاف

TT

أكثر من عام مر على هذا الوضع الغريب المتمثل في الخلاف الذي

لا يبدو أن له حلا بين فتح وحركة حماس، والانقسام بين الاراضي الفلسطينية والصواريخ التي تطلق لمجرد اثبات الوجود تحت مظلة شعارات رنانة، بينما كل يوم تتآكل فيه مساحة القدرة التفاوضية والقدرة على تحقيق حياة كريمة في دولة مستقلة للفلسطينيين.

هناك احاديث ودلائل لا تخفى على احد عن اختطاف القضية الفلسطينية لصالح صراعات قوى اقليمية في اجندات لا علاقة للفلسطينيين بها، لكن في النهاية الادوات فلسطينية والذي يدفع الثمن في النهاية هم الفلسطينيون، وهناك حديث ايضا عن فيتو من قوى غربية، كما تقول بالتحديد حركة حماس، على الحوار والمصالحة الفلسطينية، وقد يكون ذلك حقيقيا او غير حقيقي، لكن ايضا في النهاية فإن الاطراف الفلسطينية هي صاحبة القرار لو ارادت، كما ان السؤال الاهم هو كيف تكون المصالحة حقيقية ولها معنى وليس مجرد احضان وعناقات مؤقتة تنتهي بعد فترة بخلاف اكبر او بطرف يتربص بالاخر ليأكله في النهاية. جوهر الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني في غزة ورام الله هو حول السلطة والرؤية تجاه المستقبل، وهو خلاف ليس وليد عام او اثنين، بل هو يمتد منذ فترة توقيع اتفاق اوسلو وعودة ممثلي منظمة التحرير، بمن في ذلك ياسر عرفات الى الاراضي الفلسطينية. فمنذ البداية لم يكن هناك وفاق او اتفاق حول الطريق نحو التفاوض وعملية السلام وشكل ونوعية الدولة الفلسطينية المقترحة. السلطة تبنت من جانبها مشروعا مقبولا دوليا واقليميا، وهو اقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وتفاوضت حوله، وتمكنت لاول مرة في التاريخ الفلسطيني الحديث من اقامة مؤسسات شبه دولة. وتيار حماس من جانبه رفض مند البداية كل المشروع بدون ان يقدم رؤية واقعية او ممكنة للفلسطينيين، واستمر في رفع شعار المقاومة والسلاح كحل نهائي بدون ان تكون لديه اجابة وماذا سيؤدي ذلك في النهاية؟

والخطأ منذ البداية كان الاستفراد من جانب كل طرف برؤيته مع انكار الطرف الاخر بدون ان يكون هناك حوار حقيقي للوصول الى توافق فلسطيني ورؤية مشتركة يمكن تقديمها والتفاوض عليها كجبهة وطنية موحدة. وحدث وقتها انه بينما كان طرف يتفاوض كان الاخر يفجر قنابل ويرسل انتحاريين، مما فتح الباب لردود فعل وتملص من التعهدات وتخفيف الضغط الدولي على الجانب الاسرائيلي، الذي كانت لديه دائما ذريعة الأمن جاهزة ومقنعة للاطراف الدولية.

ولو كانت هذه الرؤية الفلسطينية الموحدة موجودة في منتصف التسعينات بينما كان يجري تطبيق اتفاق اوسلو، لكانت الخارطة مختلفة تماما اليوم, ومن المؤكد انه كانت ستكون هناك دولة فلسطينية تسيطر على غزة والضفة الغربية، بينما يجري التفاوض على الجزء المتبقي من المطالب الفلسطينية، وكانت المفاوضات ستجري في اجواء مختلفة والاستثمارات تتدفق لتخلق اجواء اكثر راحة، بما يجفف منابع الشعور باليأس الذي يدفع الى التطرف. والان الوضع اكثر سوءا ونقف امام حالة انقسام ليس سياسيا فقط ولكن على الارض ايضا بين غزة والضفة الغربية، بينما كل طرف لديه شرطته ومؤسساته، والشواهد والتصرفات تدل على ان فصل غزة ليس شيئا قابلا للعودة الى الوراء، فسلطة حماس تدعم مؤسساتها هناك وتخلق شرطتها وأمنها وتطرد الطرف الآخر، وتستعرض حرس الشرف الخاص بها، وتريد منفذا على العالم من خلال معبر رفح يكون تحت سيطرتها بدون شريك. بمعنى آخر انها تريد دولتها في غزة ولينتظر الباقي او قد يكون الرهان على انها تستطيع لاحقا السيطرة على الضفة ايضا.

مشكلة الطرف الآخر وهو السلطة الرسمية ان انقلاب غزة اضعفها، وعمليا فانها لا تستطيع الادعاء بانها عندما توقع اتفاقا توقعه باسم الفلسطينيين لسبب بسيط هو انها لا تستطيع ان تفرض ارادتها على غزة، وبالتالي فإنها امام الطرفين الاسرائيلي والدولي الراعي لعملية السلام شريك ضعيف. ووسط هذا الوضع يخسر الفلسطينيون يوميا سياسيا وعلى الأرض، بما جعل التحذير من انه بعد فترة قصيرة لن يكون لديهم شيء للتفاوض حوله.

الان قد تكون هناك فرصة للمصالحة والحوار الحقيقي، خاصة ان طرفا اساسيا من اطراف الازمة وهو سورية دخل مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل، وقد تتحول الى مباشرة بعد فترة قصيرة، وهي تملك اوراق ضغط على قيادة حماس المقيمة لديها، ولو تحقق ذلك ستكون الاطراف الفلسطينية في العراء، وحدها تتصارع في خلاف مثير للملل لسبب بسيط هو انه ليس صراعها وانما هو صراع اخرين وهي مجرد ادوات فيه.