هناك أغنية يقول فيها المطرب مخاطباً محبوبته: داعبيني بالأصابع داعبيني.
ولا شك أن المداعبة مستحبة، وعرف الشاعر مؤلف هذه الكلمات قيمة الأصابع وقدرتها الفائقة والمؤثرة بواسطة اللمس.
وهو يقصد بالطبع أصابع اليدين وليس أصابع القدمين التي لو حصلت المداعبة بواسطتها لا سمح الله، لأدت إلى ما لا تحمد عقباه ـ فانتبهوا جيداً لكي لا يلتبس عليكم الأمر، فيتورط أحدكم بمداعبة معشوقته بأصابع قدميه وتكون (وقعته أو وقعتها سوداء).
فاللمس هو أول حاسة ننميها، ونحن نكتسبها حتى قبل أن نولد، ولا حياة لنا من دونها.
ودلت الأبحاث على الإنسان والحيوان أن الملاطفة (باللمس) في مرحلة الطفولة قد تؤدي في مرحلة البلوغ إلى جعل خلايا الدماغ أكثر عافية والذاكرة أكثر صفاء.
طبعاً هذا لا ينطبق على كل صغار الأطفال والحيوانات، لأنه سبق لي في صغري أن تعلقت بتربية جديٍ من أول ما نزل من بطن أمه العنزة، وأخذت أرضعه بنفسي وألاعبه و(أحكحك) له، وسارت الأمور على العال، وعندما كبر وازدادت (بعبعته) تفاجأت به في أحد الأيام عندما كنت غافلا عنه، تفاجأت به يوجه لي نطحة هائلة سطحتني على ظهري، وبعدها كان الفراق بيني وبينه، ولا أدري إلى الآن هل النطحة تلك كانت من شدة غضبه ـ مع أنني لا أذكر أنني استفززته ـ أم أنها كانت مجرد ترحيب ومزاح ثقيل، وأن حكحكتي له بالأصابع قد أتت أكلها أخيراً؟!
على أية حال فاللمس هو ملك الحواس بدون منازع، وأجزاء جسم الإنسان تختلف يا سبحان الله في تقلبها وتأثيرها بين جزء وآخر، وثبت بالتجربة على سبيل المثال أن الإنسان لو وضعنا عصابة على عينيه ومررنا عدّة أشياء مختلفة على جلده، فانه من الممكن أن يتعرف على نصفها تقريباً، في حين أننا لو أتحنا له أن يلمس بأصابعه كل قطعة من تلك الأشياء فإنه من الممكن أن يعرف 95% منها.
فالأصابع تستطيع أن تميز باللمس الفرق بين الناعم الأملس والخشن الأحرش، وتعرف أن هذا الذي تلمسه هو حرير وليس قطنا، أو هو صوف وليس قطيفة، وتعرف على وجه السرعة إن كان ذلك الماء بارداً أو حاراً أو فاتراً، وتميز الملامح من الأنف الذي لو أرادت أن تنفه لنفته، والى الأذن التي لو أرادت أن تنظفها لنظفتها، وإلى العين التي لو أردت أن تفقأها لفقأتها، والى، والى..... إلخ.
إذن الشاعر لم يخطئ عندما طلب من محبوبته أن تداعبه بالأصابع، لأن الأصابع هي ملكة اللمس.
وجاء في تقرير لجامعة (ميسوري) التالي: عندما أجرينا دراسة على الأزواج في الأماكن العامة، لاحظنا أن الرجل هو الذي يبادر إلى لمس المرأة قبل الزواج، أما بعد الزواج فالمرأة التي تلمس الرجل في معظم الأحيان ـ بعد أن تصبح (متعوده) ـ!!
وهكذا هي المرأة دائماً منتصرة، لهذا يحق لي الآن أن أهتف لها قائلا: المجد لك أيتها المرأة، بس أرجوك ابعدي أصابعك عنّي، لأنني بصراحة بصراحة: أخاف على نفسي.