الخرطوم ولاهاي

TT

قبل سنوات أقدمت مجموعة تضم في ما تضم ثلاثة من طلاب كلية الطب على مهاجمة قافلة للسياح وبقرت بطون بعضهم واغتصبت بعض القتيلات. وعندما حاولت الصحافة الغربية استغلال المسألة، قال وزير السياحة المصري آنذاك، ممدوح البلتاجي، إن عددا أكبر بكثير من الضحايا يسقط كل يوم في نزاعات العصابات في كاليفورنيا.

دعونا لا نخلط الأشياء: مذكرة التوقيف الجائرة في حق الرئيس السوداني المارشال عمر البشير، لا تحل في تظاهرات الخرطوم وأم درمان ولا حتى في تأييد الدكتور حسن الترابي. جربت ليبيا تظاهرات مماثلة ويافطات «شعبية» ولم يحل الحصار ولا قضية لوكربي. هناك قرار اتهام «دولي» هو الأول من نوعه في حق رئيس حاكم، يجب أن يواجه ـ دون قبول مذكرة التوقيف ـ بردود قانونية. ويجب ـ من خلال القانون الدولي نفسه ـ ردّ المذكرة ونقض القرار الظني لأنه قائم أصلا على الظنون ومحاسبة النوايا، وليس هناك واقعة واحدة تثبت أن الرئيس السوداني كان ينوي إبادة القبائل الرئيسية الثلاث في دارفور.

اعتقد أن للمعركة وجهين: سياسي، ويخاض باسم الوحدة الأفريقية والجامعة العربية، وقانوني، ويخاض عبر مجموعة من كبار المحامين والحقوقيين بصورة علنية، وليس عن طريق السماسرة. وبمناسبة الحديث عن منظمة الوحدة الأفريقية والجامعة العربية، أين كانتا من قبل؟ لماذا أمضى الدكتور عمرو موسى الأسابيع في لبنان من أجل أزمة سياسية، ولم يذهب إلى الخرطوم مرة من أجل عشرات آلاف اللاجئين والقتلى والجائعين؟ وأين كانت منظمة الوحدة الأفريقية؟ وكيف تفاجأ المنظمة والجامعة ومعهما الخرطوم بصدور مذكرة التوقيف وكأنها وليدة قرار مزاجي مفاجئ وليست نتيجة مسار معلن، الجميع يعرف إلى أين سوف ينتهي.

يقول المدعي العام الدولي إن لديه الأدلة على ضلوع البشير شخصيا في سياسة الإبادة. لكن الظن ليس إدانة ولا أدلة. وفي الوقت نفسه لا يستطيع أحد أن ينفي أن حربا أهلية قامت في دارفور، وأن الخرطوم اعتبرت أن لا وجود للمؤسسات الدولية ولا حق لها في التدخل، فإذا العالم أمام سابقة لا مثيل لها، هي الادعاء على رئيس حالي لم يغادر السلطة بعد.

سياسيا، سوف تعتبر أفريقيا والعالم العربي، أن باب الاستدعاء والاتهام قد فتح على مصراعيه. ومع أن أحدا لا يتخيل مثول الرئيس السوداني أمام المحكمة في لاهاي، فإن المواجهة السياسية يجب ألا تكون بالنفي والرفض فقط، بل بمحاولة دحض التهم والسعي إلى إثبات بطلان مذكرة التوقيف. وإذا كان في الجامعة دائرة قانونية توكل إليها هذه المهمة الثقيلة والأولى من نوعها.