أوباما وموقفه الإيجابي من العراق

TT

حتى الذين يختلفون مع أوباما، ويعتقدون أنه جاهل في الشأن الدولي، فإنهم لا يستطيعون مقاومة الرغبة من اجل أن يفوز في الانتخابات المقبلة. ففوزه سيكسر احتكار حكم الرجل الأبيض، ويغير السلم الاجتماعي السياسي، ويفتتح تاريخا جديدا لصالح الجميع. لكن بقي العائق الاساسي مواقفه الناقصة أو غير الواضحة حول كيف سيتصرف عندما يصبح رئيسا لأهم دولة في العالم.

وبعد أن كثرت التساؤلات حول حقيقة موقفه، كتب مرشح الرئاسة باراك اوباما، مقالا اوضح فيه سياسته حيال العراق لو فاز. جاء المقال كأكثر الوثائق أهمية، ووجد اقبالا من قبل السياسيين من اجل فحصه، وكل ذلك نظرا لغموض موقف باراك. فهو في السابق مثلا أنكر على منافسه الاكثر وضوحا وصراحة جون ماكين، ابقاء القوات قائلا «انا لا اقبل ما اقترحه ماكين بأن نترك القوات الاميركية في العراق مائة سنة»، الا ان اوباما في نفس الوقت لم يقل كم سنة ينوي تركها هناك.. 99 عاما مثلا او عاما واحدا؟ فإن طال البقاء صار احتلالا ابديا، وان قصر ربما سبب فوضى رهيبة.

أخيرا كتب موقفه فصار أكثر وضوحا من ذي قبل، وفي تصوري أن أوباما بطرحه الجديد، صار أقرب الى الفوز أيضا. فقد تبنى موقفا شعبيا بسحب القوات، وفي نفس الوقت ترك مسمار جحا في البيت العراقي ضد «القاعدة» أو ربما إيران. أعلن انه سيسحب جنود بلاده خلال ستة عشر شهرا، أي بحلول 2010 يكون قد انهى الانسحاب من العراق، مع الابقاء على قوة صغيرة في العراق لملاحقة تنظيم «القاعدة»، بحسب قوله. تكون الولايات المتحدة في عهده انسحبت ولم تنسحب. بذلك أظهر أوباما أنه قادر على تطوير موقفه السياسي، بما يحافظ على التزاماته الأولى، وفي نفس الوقت يطمئن القوى الاميركية المهمة في الساحة التي تعتقد ان اوباما يعبث بالقضايا الاستراتيجية.

ورغم كل الوضوح الذي بذله اوباما، الا انني اشك في أنه يدري متى عليه سحب قواته، فهو، ولا أحد، يدري ماذا سيحدث بعد سنتين من الآن، الموعد الذي ضربه للانسحاب شبه الكامل. واستبعد أن أحدا في القيادة العسكرية التي تعمل على الأرض تعرف كيف يكون الوضع الأمني عليه في تلك السنة وذلك الشهر، وبالتالي ان انسحب كما يقول، وتزايدت هجمات «القاعدة»، أو هجمات جماعات معادية لمصالح بلاده، فسيكون انسحابه شبه مستحيل، الا اذا كان مستعدا لقبول النتائج الخطيرة لاحقا، وهو أمر يرفضه في المقال، عندما اشار الى تمسكه بإبقاء قوة صغيرة حتى بعد الانسحاب الشامل.

هذا موقف اوباما، أو هكذا ستكون سياسته لو انتخب رئيسا للولايات المتحدة، وهو موقف ايجابي وحكيم ومحسوب بقدر ما تسمح به الحسابات الحالية. لكن ما هو موقف العراقيين؟

اعتقد انه من الجائز قول كل شيء عن العراقيين، فبينهم المتحمس لإخراج كل الاميركيين الليلة، وبينهم المتردد. وهذه المواقف علنية في داخل البرلمان العراقي، والتناقض يتكرر حتى بين القوى المعارضة خارج السلطة.

[email protected]