حديث «التنسيق» في لقاء دمشق أثار المخاوف الفلسطينية

TT

لأن كل الأضواء كانت مركزة على صاروخ « شهاب 3 » الإيراني ، الذي قدمته الخدعة « الكومبيوترية » على أنه أربعة صواريخ تنطلق تباعاً والذي هو الحفيد الشرعي لصاروخي « القاهر » و« الظافر » والابن الذي يشبه أباه ، ومــن شابه أباه فما ظلم ، لصاروخ « العباس » الصَّدامي ، لم تحظ زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ( أبومازن ) الى دمشق ، حيث التقى الرئيس بشار الأسد ، بالاهتمام المفترض رغم أنها كانت زيارة مهمة بالفعل ورغم أنها أسست لعلاقات جديدة ، بعد طول تنابذ وخصام ، بين سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية.

كان المسؤولون السوريون ، وعلى رأسهم الرئيس بشار الأسد نفسه ، قد قدروا تقديراً عالياً حضور ( أبومازن ) قمة دمشق العربية الأخيرة وحفظوا له حتى زيارته الأخيرة هذه المشار إليها وحتى الآن أيضاً أنه لم يلتـزم لا بالتوجهات الأميركية ولا برغبات بعض الذين قاطعوا والذين شاركت بلدانهم بتمثيل منخفض وأنه رغم حاجته لكل هؤلاء ، إن بالنسبة لمعركة عملية السلام المتعثرة وإن بالنسبة لصراعه مع حركة « حماس » ، إلاَّ أنه أصر على الحضور والمشاركة.

ولذلك فإن هذه الزيارة ، التي جرى تأجيلها أكثر من مرة والتي أُعتبرت ناجحة حتى قبل ان تتم ، لم تكن مستغربة وهي لم تأت ، كما قيل وتردَّد ، في إطار المساعي التي تبذل والتي لم تحقق أي نجاح على الإطلاق لرأب الصدع الفلسطيني ولاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي لم تصل في أي يوم من الأيام الى الأوضاع المأساوية التي وصلت إليها بعد الانقلاب الدموي الذي قامت به « حماس » في يونيو ( حزيران ) العام الماضي وأنشأت بموجبه دويلة ملتحية هزيلة في قطاع غزة مقابل دولة الضفة الغربية البائسة التي لولا ان الأقدار ساقت إليها سلام فياض ليصبح رئيس وزرائها (المؤقت) لكانت قد ماتت وشبعت موتاً لأسباب بنيوية كثيرة.

لقد جرى التطرق في هذا الاجتماع بين الرئيسين بشار الأسد ومحمود عباس ( أبومازن ) الى موضوع الوحدة الوطنية الفلسطينية وضرورتها في هذه الفترة بالذات كما جرى التطرق الى الجهود المبذولة من قبل مصر، بالدرجة الأولى، في هذا الاتجاه لكن خلافاً لكل ما قيل فإن الرئيس السوري لم يصر على اللقاء الذي كثر الحديث عنه والذي لم يتم بين الرئيس الفلسطيني وبين خالد مشعل وهذا فتح الأبواب على مصاريعها أمام تكهنات واستنتاجات كثيرة بعضها لم يستبعد ان السبب يعود لفتورٍ قد يتحول الى قطيعة إذا بقيت الأمور تسير في الاتجاه الذي تسير فيه بين سوريا وجمهورية إيران الإسلامية . في هذا الاجتماع ، الذي مرَّ مرور الكرام على موضوع اللقاء الذي لم يتم بين محمود عباس ( أبومازن ) وخالد مشعل والذي لم يعطه الرئيس السوري الاهتمام الذي جرى الترويج له من قبل حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وأعوانها ، أبلغ بشار الأسد ضيفه الفلسطيني ان المفاوضات «غير المباشرة» مع الإسرائيليين تسير سيراً حسناً وأنها حققت نجاحات هامة وجوهرية وهو ، أي الرئيس الأسد ، ركَّز تركيزاً أساسياً على ضرورة تلازم المسارين ، الفلسطيني والسوري ، وعلى ضرورة ان يكون هناك تنسيق بين الطرفين حتى بالنسبة للأمور التفصيلية وهذا أثار خشية بعض كبار المسؤولين الفلسطينيين من ان دمشق وهي تمر في مرحلة تجميع الأوراق هذه تريد الإمساك بالورقة الفلسطينية التي خرجت من يدها نهائياً عندما أصر عرفات ، بعد إخراجه وإخراج قواته من بيروت ثم من منطقة البقاع ومن طرابلس بعد ذلك ، على ان يكون مقره ومقر منظمة التحرير تونس وليس العاصمة السورية.

كان عرفات، الذي عاش مرحلة مصادرة القرار الوطني اللبناني شاهداً وشريكاً ، يخشى من مصيرٍ كالمصير اللبناني وكان أكثر ما يرعبه ان يخرج القرار الفلسطيني من يده ومن يد منظمة التحرير ولذلك فإنه الى جانب اختيار تونس البعيدة عن دمشق آلاف الكيلومترات مقراً لقياداته حرص على ان تكون له ولمنظمة التحرير وللحالة الوطنية الفلسطينية كلها مقرات بديلة وتبادلية أخرى في صنعاء في اليمن وفي الجزائر وفي بغداد .. وأيضاً في عمان التي استضافت في نوفمبر ( تشرين الثاني ) 1984 أهم وأخطر دورات المجلس الوطني الفلسطيني على الإطلاق .

لاشك في ان الرئيس بشار الأسد قد ركز في هذا اللقاء الآنف الذكر بينه وبين ( أبومازن ) على موضوع ضرورة تلازم المسارين ، السوري والفلسطيني ، وضرورة ان يكون هناك تنسيق بين الطرفين حتى بالنسبة لأدق التفاصيل التفاوضية مع إسرائيل وفي ذهنه ان معركة المفاوضات غير المباشرة التي قد تصبح مباشرة في أية لحظة تقتضي الإمساك بالورقة الفلسطينية على أساس ان سوريا تملك كل أوراق الحل الشامل وأنه لا حل بدون حلها، لكن لاشك أيضاً في ان الفلسطينيين الذين اكتووا بنيران هذه التجارب كثيراً قد يقبلون بتبادل المعلومات مع أشقائهم السوريين لكنهم لا يمكن ان يفرطوا لا بورقة قضيتهم ولا بقرارهم الوطني الذي دفعوا من أجله الكثير وخاضوا بسببه معارك سقط خلالها آلاف الشهداء.

المهم ان الأمور بين الرئيس بشار الأسد وبين ( أبو مازن ) قد انتهت، بالنسبة لموضوع التنسيق وتلازم المسارات، عند مجرد العموميات ولم يتم الاتفاق على أي إطار ولا على أية خطوة عملية واحدة أو تشكيل لجنة لمتابعة الأمور، وكان الرئيس الفلسطيني قبل ان يثير الرئيس السوري مسألة ضرورة التنسيق وتلازم المسارات هذه قد أكد ان منظمة التحرير والسلطة الوطنية تتمسكان بالوحـدة الوطنية الفلسطينية وأنهما مستعدتان لمواصلة التفاوض مع « حماس » ولكن على أساس قرار قمة دمشق العربية المتعلق بهذا الأمر وليس على أساس لقاء صنعاء ووفقاً للشروط التالية:

أولاً ، ان تكون المفاوضات كاملة وغير مجزوءة وتشمل الفصائل الفلسطينية كلها المنضوية في إطار منظمة التحرير والتي خارج هذا الإطار ومع ألا تكون هناك فصائل رئيسية وفصائل ثانوية.

ثانياً ، ان تكون المفاوضات برعاية وإشراف العرب كلهم من خلال الجامعة العربية وألا تكون هذه المهمة محصورة لا بدولة واحدة ولا ببعض الدول وأن تكون هناك متابعة عربية ميدانية لاحقة من خلال الخبراء والفنيين الذين يجب تكليفهم الإشراف على عملية إعادة السلطة الوطنية الى غزة والإشراف على إعادة الأجهزة الأمنية والاشتراك في الإشراف على المعابر الحدودية مع مصر .

ثالثاً ، ان تتوج هذه الخطوات بتشكيل حكومة وطنية من مستقلين غير محسوبين على أي فصيل أو تنظيم أو منظمة تكون مهمتها الأساسية إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في فترة زمنية يتم الاتفاق عليها وعلى أساس ان تكون في غضون الشهور الأولى مـن السنة المقبلة.

وبالطبع فإن الرئيس بشار الأسد قد وافـق على هـذا الاقتــراح الذي تقــدم به ( أبومازن ) وهو وعد بأن سوريا لن تتوانى عن بذل كل ما تستطيعه لإنجاح هذا الاقتراح ولإعادة اللحمة للشعب الفلسطيني ورأب الصدع بين غزة ورام الله .

فهل ان هذا سيتم فعلاً وتنتهي حالة الانقسام الفلسطيني المأساوية هذه..؟!

يجب عدم التفاؤل كثيراً فهناك الكثير من العراقيل، وهناك كل هذه التوترات المرعبة والخطيرة التي تمر بها المنطقة وهناك إصرار «حماس» المدعوم بإصرار إيراني على عدم التخلي عن دولة غزة وعلى الانتقال منها الى دولة الضفة عندما تنتهي ولاية ( أبومازن ) في الخامس من يناير (كانون الثاني) المقبل على افتراض أن هذه الولاية يجب ان تنتقل حُكْماً الى رئيس المجلس التشريعي الذي هو أحد قادة حركة المقاومة الإسلامية.