لماذا يجب أن نقلق بشأن الرابع من يوليو

TT

تزامن يوم الجمعة قبل الماضي مع الذكرى الـ232 لإقرار إعلان الاستقلال. وتسود الاحتفالات الصاخبة الولايات المتحدة ابتهاجاً بهذه المناسبة. وكانت احتفالات الرابع من يوليو هذا العام شبيهة بالاحتفالات التي شهدناها خلال العديد من السنوات السابقة. ولم تكن هناك أية مؤشرات علنية توحي بوجود مشكلة ما. وانتقل فريق «ريد سوكس» للبيسبول من بوسطن لخوض مباراة أثناء عطلة نهاية الأسبوع أمام «يانكيز» في مدينة برونكس. أما واشنطن فقد شهدت استعراضاً عسكرياً على امتداد «كونستتيوشن أفنيو».

ورغم كل ذلك، يغلب على البلاد شعور بالقلق، حيث تراجع إقبال الأميركيين على قضاء العطلات بسبب ارتفاع أسعار الوقود. ونظراً لأن عطلة الاحتفال بإعلان الاستقلال بدأت يوم الجمعة، اضطر مكتب إحصاءات العمل لإصدار الإحصاء الشهري لعدد العاطلين مبكراً عن موعده المعتاد بيوم واحد، أي الخميس. ولم تكن الأرقام باعثة على الرضى. من ناحيتها، لخصت «نيويورك تايمز» في عنوان لها بالصفحة الأولى الوضع العام بقولها: «مستقبل أكثر ظلاماً مع فقدان الوظائف وجمود الأجور».

بيد أن مشاعر القلق السائدة تبدو أكثر عمقاً من مجرد التوتر بسبب مرور دورة النشاط الاقتصادي بطور الانكماش في الوقت الراهن، حيث يبدو أن هناك أمراً جوهرياً قد أصابه خطأ ما. على سبيل المثال، وضع «ديفيد بورين»، السيناتور الأميركي السابق والذي يترأس حالياً جامعة أوكلاهوما، كتاباً موجزاً تحت عنوان «خطاب إلى أميركا».

وخلال الكتاب، أعرب بورين عن مشاعر قلق بالغة تجلت في الفقرة الأولى والتي قال فيها: «إن البلاد التي نعشقها تمر بأزمة. في الواقع، نحن نواجه خطراً محدقاً يتمثل في انهيارنا كأمة. وإذا لم نتحرك بسرعة، فسيتخذ هذا الانهيار شكلاً دراماتيكياً».

من جانبي، أتفق مع بورين تماماً في الرأي، ذلك أن رموز الوطنية ـ مثل الملصقات والأعلام التي نراها في مباريات البيسبول ـ حلت محل العمل الدؤوب والتضحيات اللازمة للإبقاء على هذه الأمة عظيمة. ويمكن لأي منا أن يدرك أن الأمور قد خرجت عن نطاق السيطرة عندما نعلم، مثلما حدث هذا الأسبوع، أن مُدربين أميركيين داخل معسكر غوانتانامو بكوبا قدموا دروساً في أساليب التعذيب التي استغلها الشيوعيون في استخلاص اعترافات كاذبة من الأسرى الأميركيين خلال الحرب الكورية.

وتتوافر الكثير من المؤشرات التي توحي بتحول مجمل الأوضاع داخل الولايات المتحدة نحو الأسوأ، فنحن نخوض حرباً في العراق تصيبنا بالوهن يوماً بعد يوم من دون أدنى فكرة عن كيفية توفير تكاليفها ـ أو كيف يمكن وضع نهاية لها. كما لا تتوافر فكرة حقيقية لدى أي منا حول كيفية التكيف مع أزمة الطاقة المدمرة، أو دفع عجلة النشاط الاقتصادي نحو الأمام مجدداً.

وحالياً، تعاني صناعة النقل الجوي من حالة فوضى عارمة، بينما انحنت شركة «جنرال موتورز» العملاقة تحت وطأة المصاعب الاقتصادية الراهنة. وفي الوقت ذاته، تمر البلاد بأزمة رهن عقاري تُجبر الأسر العاملة المحظوظة بقدر كاف يمكنها من الوفاء بمتطلبات الرهن الخاص بها على مراقبة قيمة منازلها وهي تتراجع. ولا شك أن الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها هذا العام فرصة مثالية لكشف الحقيقة أمام الرأي العام الأميركي من خلال إجراء مراجعة واقعية لأوضاع أمتنا، ودراسة أفكار إبداعية للمضي قدماً نحو الأمام.

من ناحيته، يعتقد بورين أن إطلاق العنان لمظاهر التشيع لحزب معين والنفوذ السلبي للأموال الضخمة أسفرا عن إصابة العملية السياسية الأميركية بالشلل. وأبدى قلقه إزاء إهمال البنية التحتية على مستوى البلاد، والفجوة المتنامية بين الأفراد بالغي الثراء وباقي أبناء الشعب، علاوة على التراجع الكارثي في نظرة باقي دول العالم إلينا.

إن الولايات المتحدة بقوتها الاقتصادية والعسكرية الهائلة، ما تزال مؤهلة أكثر من أي دولة أخرى على وضع المعايير والقواعد العالمية للقرن الحادي والعشرين. بيد أن هذه القوة والقيادة لم نحصل عليها كحق مقدس ولا يمكننا الاستمرار في إهدارها إلى ما لا نهاية.

إن التلويح بعلم من المستحيل أن يكون بديلاً للفكر الجاد والعمل الدؤوب.

* خدمة «نيويورك تايمز»