منظمة المشاغبين!

TT

أجيال عربية بأكملها تربت على العمل المسرحي العبقري «مدرسة المشاغبين» وتطبعت بشخصياتها الآسرة وضحكت مع نكاتها ومواقفها، ومن لديه القدرة على نسيان شخصيات مثل الزعيم بهجت الأباصيري الذي أدى دوره ببراعة الفنان عادل إمام، أو «نائبه» مرسي الزناتي الذي تألق في تمثيله الفنان سعيد صالح. وقتها كان الهاجس الأكبر «والخطر الأكبر» على أجيال المستقبل هو أن يتأثروا بشكل أو بآخر بآفات ومشاكل و«تفاهات» مدرسة المشاغبين، وكتبت المقالات وأقيمت الندوات المحذرة والمنددة من هذا «السقوط المريع»، ولم يكن العالم يدرك أن مدرسة المشاغبين بكل همومها التي كان يخشى من حصولها وانتشارها تبقى أرحم وأقل ضررا من الكوارث التي حصلت نتاج انضمام أرتال من الشباب إلى المنظمات الإرهابية وأشهرها بطبيعة الحال «القاعدة». فـ«القاعدة» تشبه في رأسها الهرمي مدرسة المشاغبين، فهي أيضا لديها «المخ» في أسامة بن لادن و«العضلات» في أيمن الظواهري وهي أيضا قدمت للأجيال الحالية نماذج لا بد من التحذير منها وخشيتها، ولعل نتاج أعمالها واضح للكل.

للتطرف سموم لا يمكن لأي عاقل أن ينكرها، ومع ذلك يبقى المبررون والمدافعون لليوم عن نواياها وأساليبها ودمارها، وآخر الفصول التي يجري الحديث عنها بروح تبريرية عجيبة هي كيف لـ«القاعدة» ورجالها في أفغانستان أن يتعاطوا المخدرات بشتى أنواعها ويحللوا زراعتها وبيعها والاستفادة من مداخيلها الكبيرة لأجل تمويل عملياتهم بشتى أنواعها؟! القضية تتخطى كونها منظمة إرهابية وتقوم بأعمال مدمرة ودموية، ولكن المسألة هي «الخيارات» المتوفرة كقرارات مستقبلية لأجيال الغد. مئات من الشباب الأبرياء «اختاروا» طريق «القاعدة» ووجهوا لهذا الصوب بدعم معلومات وشحن عاطفي وتأييد معنوي وزخم مادي، وكان نتاجها أولا وأخيرا أن المجتمعات العربية لا تزال في حالة نزيف مستمر لطاقات الغد. نظرة جديدة بحاجة أن تكون لما هو مفيد وما هو مضر وما هو بريء في المجتمع الشبابي العربي، فحجم الخسائر مهول والتحدي مرعب ولا بد من أن تستشعر كافة عناصر المجتمع هذه الخطة (وهي مفتوحة حتى الآن)، فحجم التعامل مع تحدي الإرهاب وتنظيم «القاعدة» حتى الآن لا يوازي حجم التعامل مع تحديات المآسي الطبيعية كالزلازل والسيول أو انتشار الأوبئة والأمراض الكبيرة وغير ذلك. التعاطي مع مشكلة «القاعدة» للآن لا يزال طرحا نظريا لم ينزل للأرض ليطال الشرائح العريضة، وبدون المزيد من الخطط الفعالة للوصول للشباب ومخاطبة احتياجاتهم فعليا ستظل كل هذه المحاولات الإصلاحية المنعقدة قاصرة ولن تؤدي الغرض المطلوب منها، أو كما قيل في مدرسة المشاغبين في أحد أجمل مشاهدها «الناس محتاجة اجتماع على مستوى القاعدة!». منظمة المشاغبين المعروفة بـ«القاعدة» لا تزال خطرا مجنونا يهدد الكثيرين، والمحاولات المبذولة للتعامل معها للآن غير كافية، وهذه مسألة لا مجال للضحك فيها أبدا.

[email protected]