سياسة رامسفيلد الدفاعية: حسابات مشوشة مقابل استراتيجية غامضة

TT

بعد شهر على استعجال الرئيس بوش الكونغرس في اقرار التخفيضات الضريبية التي تصل الى 1،35 تريليون دولار بدأنا نسمع الآن ان الحسابات كانت مشوشة قليلا، وان الميزانية قد تعاني من عجز يصل الى 50 مليار دولار، وبهذا ترتفع قيمة العجز. غير ان ميزانية بوش ليست الامر الوحيد الذي يعاني من التشوش في واشنطن هذه الايام، اذ يبدو ان رؤيته الاستراتيجية لا ترقى الى المستوى المطلوب ايضا. فلا تتصادم كثير من سياساته مع بعضها البعض فحسب، بل ان الحسابات المشوشة التي استخدمت لتحديد قيمة التخفيضات الضريبة ستحد من قدرته على الاخذ بعدد من الامور الخلاقة حقا التي يرغب في تنفيذها على الجانب الاستراتيجي. وهذا ما يحدث في ظل ادارة تتسلم مهامها دون رؤية سياسية استراتيجية متكاملة، بل بمجموعة من المواقف المتصلبة ازاء الضرائب والدرع الواقي من الصواريخ والتجارة، وبعضها يتناقض بوضوح مع بعضها الآخر.

جروفر نوركيست مقابل دون رامسفيلد سيذكر نوركيست الجمهوري صاحب الحماس الشديد للتخفيضات الضريبية وموجه سياسات الميزانية لادارة بوش على انه العدو الاكبر لخطط وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد في احداث «ثورة في الشؤون العسكرية» وتجديد القوات الاستراتيجية الاميركية.

وفي هذا السياق حدثني السناتور جون مكاين والعضو في لجنة الخدمات العسكرية قائلا «لقد صوت ضد التخفيضات الضريبية لاني شعرت بانها ستهدد العناية الصحية والضمان الاجتماعي، ولاني شعرت ايضا بانه لن تتبقى اموال كافية للدفاع. وقد زارتنا قيادة اركان الجيش المشتركة (لطلب المزيد من الاموال) لتغطية ما ينقصها من نفقات على عملياتها العسكرية وصيانة آلياتها ومسائل تتعلق بجاهزيتها وكوادرها فقط، فما بالك بما يتطلبه نشر الدرع الواقي من الصواريخ والبرامج العسكرية الجديدة».

ولكن الحسابات المشوشة لا تقابل الاستراتيجية المشوشة في هذا الموضع فحسب، اذ اقسم بوش في كلمة له امام الاكاديمية البحرية على اعادة بناء الجيش الاميركي وتحويله الى آلة قتالية «تعتمد بشكل اكبر على اسلحة دقيقة الاصابة وتمتلك مزية التخفي وعلى التقنيات المعلوماتية». بيد ان النفقات الاضافية التي طلبتها وزارة الدفاع (بنتاغون) والتي تصل الى 18 مليار دولار لا تكاد تغطي الارتفاع في اسعار قطع الغيار وتحسين مخادع الجنود، فضلا عن ان هذه الزيادة في النفقات الدفاعية ليس من الواضح بعد ان كان يمكن اقتطاعها من ميزانية بوش بعد التخفيضات الضريبية دون ان يكون ذلك على حساب نفقات العناية الصحية والضمان الاجتماعي. اما كيف سيرفعون مبلغ الـ60 مليار دولار لتصل الى 100 مليار دولار للانفاق على نشر الدرع الواقي من الصواريخ فهو لغز من الالغاز، خاصة ان الكونغرس يرفض تخفيض نفقات اي من البرامج القديمة.

على صعيد آخر دعا بوش الى توسعة حلف الناتو على طول الحدود الروسية، وحث في الوقت نفسه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى دعم المشروع الاميركي في الامم المتحدة لتجديد العقوبات المفروضة على العراق. ورغم ان لروسيا حوافز مادية وراء حماية صدام، يبدو انه لم يخطر ببال احد من فريق بوش انه ليس لدى بوتين اي مصلحة في التعاون معنا حول العراق بينما نحن نعمل على توسعة حلف شمال الاطلسي (ناتو) الى عتبة داره. وربما لا نربط نحن بين الامرين، ولكنه يربط بينهما.

الى جانب ذلك، فان بوش معارض شديد لاي نوع من الحمائية الاقتصادية ومدافع شرس عن التجارة الحرة، غير ان اول تشريعاته التجارية بعد تسلمه الرئاسة كان لتنفيذ امر عارضه الرئيس بيل كلينتون دائما وهو نصب حاجز تجاري رسمي لحماية شركات الفولاذ الاميركية من منافساتها الاجنبيات. وكانت هذه التشريعات في جانب منها محاولة لتحييد المعارضين لأجندة بوش للتجارة الحرة المعولمة، ولكن منذ ذلك الحين ظلت هذه الاجندة غير واضحة بالكامل ولم تحظ بدفع حاسم الى الامام، مقابل تطبيق تشريعات حماية شركات الفولاذ.

علاوة على ذلك، صرح رامسفيلد الخميس الماضي بان عمليات بناء الدرع الواقي من الصواريخ لمنطقة الاسكا ستبدأ قريبا، سواء كانت هذه التكنولوجيا ناجحة او فاشلة. ولكن رامسفيلد، قبل اسبوعين، في محاولة للرد على تهديدات من اتباع اسامة بن لادن، سحب على عجل قوات المارينز الاميركية التي كانت تتدرب في الاردن وكذلك الاسطول الاميركي الخامس من قاعدته في الخليج العربي. اما الرسالة التي تفهم من ذلك فهي اننا سننشر اسلحة لا نفع منها في وجه عدو غير موجود، واننا سنسحب قواتنا الفاعلة في وجه عدو موجود. من الواضح ان فريق بوش لا يزال يحاول لملمة افكاره وان رامسفيلد لا يزال ملتزما باحداث التغييرات الراديكالية التي يريد، بحسب ما يقول مكاين. ولكن في الوقت الراهن يضيف قائلا «باستثناء الدرع الواقي من الصواريخ لا ادري كنه رؤية رامسفيلد، ورغم كل تلك المهمات لا يدري احد ما مخطط البنتاغون. وهذا شل العملية، لاننا ان لم نكن ندري ما يتوجب علينا فعله فمن الصعب حينها رسم سياسة دفاعية، ونأمل في الحصول على ذلك المخطط قريبا».

ونحن نأمل ايضا في ان يطرح رامسفيلد مخططا، ولكننا نأمل ان يراجعه مع جروفر اولا.

* كاتب اميركي ـ خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»