ماذا يريد العرب من أميركا؟

TT

العلاقات بين اغلب الدول العربية والولايات المتحدة ظاهرة فريدة في العلاقات السياسية الدولية وتستحق الدراسة، فمن يقرأ ما يكتب عن واشنطن في الكثير من العواصم العربية في وسائل الاعلام سيجد الخطاب الموجه لها سلبيا ومليئاً بالانتقادات والاحباط من مواقفها، بما لا يعكس حقيقة العلاقات اقتصاديا وسياسيا على مستوى الدول.

كما سيجد خيطا مشتركا يجمع كل تنوعات الاتجاهات المنتقدة لواشنطن والمستريبة فيها، هو التأكيد على اهمية دورها في المنطقة، ورفض انسحابها رغم الانتقادات، إضافة الى الامل في ان يتغير موقفها.

رسميا وعمليا فان الولايات المتحدة تتمتع بعلاقة قوية للغاية مع الكثير من الدول العربية، ولها مصالح ضخمة اقتصادية وسياسية واستراتيجية في المنطقة، وبحكم انها القوة العظمى الوحيدة في العالم حاليا فان الاطراف العربية لها مصلحة في ان تكون لها علاقات ومصالح مؤمنة مع هذه القوة.

ولا يمنع هذا ان تظهر بين فترة واخرى تصادمات تجاه قضايا معينة بحكم اختلاف ثقافة واجندة الاطراف العربية مع ثقافة وتوجهات الولايات المتحدة، لكن اكثر هذه التصادمات بروزا وربما اخطرها تتمحور حول ما يحدث في الاراضي الفلسطينية المحتلة والشعور المشترك لدى اصحاب القرار العرب والشارع بان واشنطن لا تقف موقفا عادلا وتخلط ما بين الضحية والجلاد.

وقد حاولت الادارة الحالية في اميركا ان تسحب نفسها من عملية السلام، وتنأى عن الصراع اليومي في المنطقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، في البداية بعد ان وجدت ان اصابع الادارة السابقة احترقت فيها، ثم اكتشفت ان الانسحاب ترف لا تستطيع احتماله وتكلفته قد تكون باهظة للغاية على استقرار المنطقة وبالتالي على مصالحها فيها، لكن تدخلها مازال حذرا ومترددا، والرسائل الصادرة منها متناقضة في بعض الاحيان مثلما حدث عندما زار كولن باول وزير خارجيتها المنطقة اخيرا وايد ارسال مراقبين دوليين وبعدها بساعات نفت واشنطن ذلك.

عموما فان هناك حاجة لوضع النقاط على الحروف في العلاقات العربية - الاميركية وتحويلها من علاقة عتاب متبادل او سوء فهم في بعض الاحيان الى حوار صحي يحدد الاختلافات، وما يمكن تضييقه منها وماسيظل قائما، وفي الوقت ذاته تجنيب المصالح مخاطر الاهتزازات.

وما يحتاجه العرب فعلا في علاقتهم بالولايات المتحدة هو التعامل مع الماكينة السياسية المعقدة في الولايات المتحدة والتحدث معها بلغة تستطيع ان تفهمها وتؤثر فيها مع توضيح المصالح الاميركية في المنطقة، وفي الوقت نفسه فانه كلما كان في الامكان ان تكون للمنطقة مبادراتها لحل مشاكلها سيكون لها احترام اكبر.

كما تحتاج الاطراف العربية الى ان تدرك واشنطن انها مع حجم المصالح الهائل والتشابك في علاقاتها سياسيا وعسكريا واقتصاديا لا يمكن ان تنظر الى المنطقة من منظور العلاقة مع اسرائيل فقط، فهناك الكثير في المنطقة الذي ليس له علاقة باسرائيل، وهي في النهاية نقطة في بحر مهما نفخت عضلاتها.