غياب الخميس

TT

قال كاتب ايرلندي: «اخشى ما أخشاه، أن أفيق ذات يوم وأجد نفسي ميتاً»، وقد وقع لي يوم الخميس أن أفقت ووجدت محل زاويتي تنويها يقول ان الاتصال بي متعذر ولذا غابت الزاوية وحل محلها خبر عن خوفو. وأنا شخصيا فرعوني المفضل تحوتمس.

لدى ظهور الهاتف الجوال، انتشر كالعادة أولا في لبنان، وعلى نحو مزعج. وغالبا على نحو ثقيل. ومرة دخلت ـ تكرمون ـ مغسلة مطعم في برمانا فوجدت أمامي لبنانيا فئة أولى وخلفه لبناني فئة بدون يحمل له هاتفا جوالا فيما الفئة الاولى ينهي مكالمة على الهاتف الأول. دخل الاثنان المغسلة وخرجا والاصوات تلعلع والبك لم ينه اتصالاته العاجلة بعد.

قلت في نفسي هذه آلة لن اقربها ولن اعرفها، لأنني لا أقرب جميع وكافة وسائر وسائل هذا النوع من القرف اللبناني الفارغ. لكن شيئا فشيئا اخذ الجوال هو الذي يقترب مني. حمله الاولاد لكي نستطيع الاتصال بهم. وحملته أمهم. ثم كان علي ان احمله في بلد تدخل فيه المواكب الناطقة الى المغاسل وايضا تغير فيه الطائرات الاسرائيلية وتحدث الانفجارات فجأة وتلتهب القلوب فزعاً وقلقاً غير أنني اكتشفت فائدة اضافية، لها علاقة بالعمل والحياة والسفر، وهي ان الهاتف الجوال يبقيني على اتصال بعملي وأهلي وأصدقائي في أي مكان أكون. بدأت الكتابة في «الشرق الأوسط» قبل 21 عاما على وجه الضبط مع الزميل عثمان العمير. وقال كتاب صدر مؤخرا لصاحب مذكرات ان هذا ليس صحيحا، فهو الذي أصدر قرار تعييني لأن عربيا كبيرا قال له (لصاحب المذكرات) خلصني منو! أي خلصني منه، وهكذا بدأت حياتي في «الشرق الأوسط»: 21 عاماً لأن صاحب المذكرات أصدر مرسوماً بتعييني. وأما لماذا أذكر ذلك الآن فإنما لثقتي بأن الرجل لا يقرأ وبالتالي لا بد من نشر روايته في مكان مقروء، خصوصا من العرب الكبار الذين طلبوا الى سيادته ان يخلصهم سيادته مني. لا ضرورة لذكر الاسم لأنه لن يعني شيئا لأحد.

منذ 21 عاما لم اتغيب يوما عن موعد المقال، والحمد لله. ولا يمنن الانسان نفسه بواجبه ورزقه. وكلما كنت «أضيع» لسبب ما، كان مدير التحرير يذكرني بواجبي في أي مكان أكون فيه. لا أعرف ما الذي حدث هذه المرة ولماذا لم تعمل الهواتف الجوالة التي اخذت درسا لكي أجيد استخدامها. وبالمناسبة اصبحت أعرف ـ ولا أجيد ـ استخدام الانترنت. واعترف بأنني تعلمت لغة جديدة هي لغة البحث السهل. ولن يغنيني شيء عن ورق الصحف أو ورق الكتب أو ورق المفكرات أو ورق الرسائل. لكنها لغة جديدة وسهلة ومسلية. طبعا لا تشبه الكتاب، لكنها تشبه الراديو أو التلفزيون. قطاف سريع في انتظار الموسم. في أي حال، اعتذار، غياب الخميس كان خطئي.