ألف باء العمل الأخلاقي

TT

سطر واحد ينقل الإنسان من لص إلى إنسان شريف. إذا كتبه في نهاية صفحة واحدة أو في مقدمة ألف صفحة.. مثلا: لو فرضنا أنني نقلت صفحة من كتاب وقلت في نهايتها: نقلا عن كتاب فلان. هذه العبارة وحدها تجعلني أرتفع في عين القارئ وفي عين نفسي أيضاً.. لأنني عندما أخذت أفكار الغير، نسبتها إليه وهذه هي الأمانة..

وهذا السطر تراه في مقدمة الأفلام، فتجد أن هناك سطراً صغيراً يقول: هذه القصة مأخوذة عن قصة فلان.. صحيح أن هذا السطر ليس لافتاً للعين. ولكنه في نفس الوقت رغم صغره يؤكد أن القيم الأخلاقية يجب اتباعها ويجب الحرص عليها وأنه ليس من الأخلاق في شيء أن أسرق وأن أسطو وأن أجاهر بذلك، دون أن أدرك خطورة ذلك على الناس..

ومن الممكن أن أترجم ألف صفحة، وفي نهايتها أقول: هذه الصفحات نقلتها عن فلان أو عن كتاب فلان، وبذلك أسلم تماماً من النقد.. نقدي لنفسي ونقد الآخرين لي! وهذا السطر لا يكلفني شيئاً..

ولكن يبدو أن الذي نراه، ويراه العالم المتحضر كله، شيء هين لا يراه غيرنا كذلك.. وفي الأسبوع الماضي نشرت زميلات عربيات صفحات كاملة من إحدى المجلات المصرية، وأسعدنا ذلك لولا أننا لم نسعد بأنها لم تشر إلى أن هذه الصفحات قد نقلت من مجلة (....)، والذي لم يسعدنا حقاً هو هذا المبدأ أي المبدأ الأخلاقي.. من الممكن ألا يهتدي أحد إلى أن هذه الصفحات مأخوذة عنا. ممكن جداً كما نأخذ عن الصحف الأمريكية أو الأوروبية، فلا يدري بنا أحد.. ولكننا نحن ندري بأنفسنا. وندري أن هذا الذي قمنا به سطو.. وأن هذه مسألة أخلاقية: بيننا وبين مبادئنا قبل أن تكون بيننا وبين الغير!!

ونحن نفضل أن نلتزم بالقيم الأخلاقية دون أن يرانا أحد، فليس الإنسان النظيف هو الذي لا يلقي ورقة في الأرض لأن الشارع قد امتلأ بالناس.. ولكنه الذي يفعل ذلك حتى إذا لم يكن هناك أحد.. إننا جميعاً نعود من أوروبا مبهورين عندما نرى السيارات تقف عند إشارات المرور رغم أن الشارع قد خلا بعد منتصف الليل من كل السيارات الأخرى ومن رجال الأمن. لماذا؟ لأنها مسألة مبدأ أن نقف عند إشارات المرور وأن نحترمها سواء كان هناك أحد يرانا أو لم يكن أحد..

إنها ألف باء الصحافة أو ألف باء أخلاقيات العمل الصحفي.. ولا عمل أي عمل، بلا أخلاق!