صباح الخير أيها العالم

TT

عندما ولدت هذه المرأة كان الطبيب المولد يأتي الى بيت الوالدة في عربة يجرها حصان. لم تكن هناك سيارات ولا تليفونات محمولة. . ولم يكن بلايين البشر يتواصلون على شبكة الانترنت يوميا. لم يكن العالم يعرف السلم الكهربائي ولم تكن ربات البيوت ينعمن باستخدام المكنسة الكهربائية ولم تكن المكيفات الكهربائية تلطف حرارة الصيف في المنازل والاماكن العامة. انسان ذلك الزمان لم يكن يعرف المركبة المصنوعة من المعدن الثقيل التي تخترق الفضاء حاملة عددا كبيرا من الركاب عبر السحب وعبر القارات.

هذه المرأة ولدت في استراليا عام 1899 وتوفيت هذا الاسبوع عن عمر يناهز 108 سنوات. الى هنا يمكن اعتبار الخبر وفاة امرأة معمرة. فقد كانت حياتها عادية بكل المقاييس، طفلة ولدت لاسرة فقيرة وكانت صغرى اخوتها الاحد عشر. تعلمت الى سن الخامسة عشرة لتعمل كنادلة في مطعم وتزوجت ثم هربت من بطش زوج قاس الى مدينة اخرى، حيث شقت طريقها بالعمل كطاهية. لم تكن في حياتها احداث ملحمية تذكر إلا انضمام ولدها الى الجيش في الحرب العالمية الثانية وعودته من الحرب سالما. وهو حدث اعتبرته اوليف رايلي الاهم في حياتها الطويلة.

لكن حين تقرأ ان هذه المرأة قررت ان تتعلم الدخول على الانترنت في عامها السادس بعد المائة لا بد ان تعترف بأنها كانت امرأة فوق العادة. في تلك المرحلة المتقدمة من عمرها قررت ان تتواصل مع الناس عبر مدونة اصبحت من اشهر المدونات. فالمدونات حسب آخر احصائية بلغت ثمانين مليون مدونة حول العالم، لكن مدونة واحدة لفتت انتباه الاعلام في اكثر من دولة. فقد خصتها الـ«بي بي سي» بتغطية وكذلك وكالة اسوشيتدبرس وبرنامج صباح الخير يا اميركا الى جانب التلفزيون الكرواتي والارجنتيني والاسباني.

اصبحت أوليف شاهدا على التاريخ تروي جانبا من ذكريات حياة عادية حققت لها النجاة والاستمرار في عالم شهد الحرب العالمية الاولى والثانية، وحالة الانهيار الاقتصادي في ثلاثينات القرن الماضي وكفاحها لتربية ثلاثة اولاد وهي بلا زوج. روت ذلك كله بروح طيبة لا ينقصها التفاؤل والفكاهة بحيث رشحت المدونة للحصول على جائزة دولية في العام الماضي.

اصبحت المدونة تستقبل اكثر من 350.000 زائر يوميا يفرحون لفرحها ويشاركونها القلق اذا تعرضت لوعكة. والطريف انها رغم صعوبة الحركة في ذلك العمر المتقدم لم ترفض السفر بالطائرة لزيارة احفادها حيث حملت حملا الى الطائرة، ولم ترفض ان تحمل حملا الى المسبح لكي تشارك اولاد الاحفاد مرح السباحين. وحين اصبحت الكتابة اليومية مهمة شاقة تطوع احد محبيها وقرائها ـ شاب في السبعين ـ ان يتولى عنها مهمة الكتابة. كانت تقرأ عليه المادة التي تنوي تدوينها وهو يسجلها على موقعها الخاص مشفوعة بالعديد من صورها في الماضي والحاضر وصور اولادها واحفادها. وحين توفي ابنها بارني قبل ستة اشهر عبرت عن حزنها الشديد على فراقه وشاركها الحزن آلاف الناس حول العالم. بالطبع لم يكن بارني في عز الشباب، لكنه ظل في نظر امه شابا رغم تجاوزه التسعين. حين قرأت جانبا من سيرة أوليف رايلي التي كسرت اطواق العزلة التي تفرضها الشيخوخة ايقنت بأن ارادة الحياة هي الثروة الحقيقية للانسان اينما كان.