الزكام والحب

TT

شاهدني وكأن ألف عفريت ركبت فوق أكتافي، كنت وقتها متذمرا ومعتزلا ومتحاشيا الناس بقدر ما أستطيع، حيث أن زكاماً حاداً قد أصابني بما يشبه المقتل، صداع وعطاس واحمرار أنف ودموع عين، ومناديل من الكلنكس تذهب وتجيء لا أول لها ولا آخر.. وفوق ذلك حرارة وحمّى وارتجافات تخلخل مفاصل عظامي، تصحبها تأوهات وشتائم من قبلي على كل الأشياء من حولي.

وبينما كنت على هذه الحالة (الكارثية)، وإذا به يأتي إليّ دون أن أطلبه أو أشتاق إليه، وأول ما شاهدني، وإذا به يقول لي دون أية كياسة: ما هذه الحالة الذي أنت عليها؟!، إن حالتك خطرة، ووضعك متأزم، وملامح وجهك لا تبشر بالخير.

رفعت رأسي نحوه متمنياً لو أن في يدي سيف (هولاكو)، أو رمح (الزير سالم). نظرت له متمنياً من أعماق قلبي أن تأخذه من أمامي حريقة مستعرة لا تبقي ولا تذر.

لم أرد عليه ولم أتكلم، وإنما أخذت أؤشر له بيدي وأهز رأسي علامة: أن اخرج واتركني وحدي، غير أنه لم يفهم، أو أنه فهم ولكنه تعابط أو تغابى.

ثم قال لي معتذراً: آسف على كلماتي الصادقة التي قلتها لك، ولكن تأكد أنني قلتها لك من باب (الميانة) والمحبة، والخوف عليك. وشاهد بجانبي على الطاولة علبة فيتامين (C)، وزجاجة مرهم (الفيكس)، وشراب الكحة، وحبوب تخفيف الحرارة، إلى جانب (الترمومتر)، وكمادات الألم. وإذا بي أتفاجأ أنه يحمل كل هذه الأشياء ثم يقذف بها في صندوق الزبالة.

عندها خرجت عن طوري وتكلمت بصوت خفيض صائحاً به: ماذا تفعل يا مجنون؟!

قال: إن كل هذه الأشياء لن تفيدك بشيء.

قلت: ومن أين ومن متى كنت أنت طبيباً يا صعلوك يا تافه يا قليل الحيا؟!

قال: سامحك الله، لقد انطبق عليّ وعليك المثل القائل: أريد حياته ويريد قتلي.

قلت: أي حياة وأي قتل (!!)، إنه لا يوجد بيني وبينك غير القتل وحده، فأنت بفعلك هذا تريد قتلي، كما أنه لو كان باستطاعتي في هذه اللحظة أن أفجرك لفجرتك عن بكرة أبيك.

ضحك في وجهي قائلا: إن كلامك هذا ما هو إلاّ (هذيان) من ارتفاع حرارتك التي ضربت على مخك. ثم سألني فجأة: ألم تسمع بعلم (التحصين النفسي العصبي)؟!، هززت رأسي علامة: (لا)، قال: إنه هو الذي يكشف الروابط بين الدماغ وجهاز المناعة. ثم سألني مرة أخرى: هل تحب؟!، مططت له براطمي علامة: (أنني لا أدري) يمكن أيوه يمكن لا!

ثم فجر قنبلته قائلا: إن قليلا من الحب هو العلاج المثالي للزكام يا سيد.

عندها لم أملك من غلبي إلاّ أن أبتسم وأقول: من هي المحبوبة الغبية المجنونة التي تقبل أن تقترب مني وأنا في هذه الحالة، ناهيك من أن تسمح لي أن أعانقها بعنف؟!

قال: إن المرأة إذا أحبتك فهي تمرض قبل أن تمرض أنت، ولا تشفى هي إلاّ بعد أن تتأكد أنك أنت شفيت. صحت به أين هي، دلني عليها أعطس بوجهها وأشاهد ردة فعلها.

ولأنه لم يعجبه كلامي فقد قال قبل أن يخرج: إن العالم النفساني (ديفد ماكليلاند) قد أكد وقال: إنني شخصياً عندما أشعر ببداية الزكام، أفكر رأساً بعلاقة حب.

[email protected]