الحلقة الأولى اتبعوا طريق ماركو

TT

تعلقت بالسفر بقدر ما تعلقت بالكتاب. لا أذكر ولا أدري من منهما شدني إلى الآخر. وليس ذلك مهماً. فقد كبرت الآن وتحول كلاهما إلى عمل. كل بلد يبدو وكأنك مررت به من قبل. كل كتاب يفتح وكأنه في قراءة ثانية. لكنهما، على نحو ما، البهجتان. الأولى والثانية. ولست أدري أيهما الأولى. وليس ذلك مهماً لشدة ما هما متشابهان. الواحد يكتب الآخر. واحد يروي وآخر يدون. سئل المصمم كريستيان لاكروا ما هي أحب مادة إليه؟ قال الورق. فيه أقرأ وعليه أكتب وأرسم وأتخيل. نسي أن يذكر علم الخرائط، تلك الرسومات التي قادت الحالمين حول الأرض، يابسة ومحيطات وجليدا، أو لعلهم المغامرون، أو المستكشفون؟ لكن ماذا «اكتشفوا» لنا؟ كل أرض ذهبوا إليها كان عليها بشر من قبل «أفارقة واسكيمو وهنود و«أصليون» فماذا اكتشفوا؟ اكتشفوا ثروات لدولهم وعبيدا يستعبدونهم أو يبيدونهم. فماذا هم إذن؟ قتلة أم رحالة أم جغرافيون أم معاندون أم مثابرون أم صامدون؟ صراحة، لم أعد أحب كلمتي الصمود والتصدي. أهلكنا الصمود وشتتنا التصدي.

فلماذا هدرت كل تلك السنين وزهقت كل تلك الأرواح؟ لماذا انتهى كل الصمود والتصدي في مدريد وأوسلو ولشبونة وسائر المواقع السرية؟

كنت أنوي أن أضع «الصامدون» عنوانا عاما لهذه السلسلة، ثم قدرت أن أصحابها، أو معظمهم، يستحق عنوانا أفضل، ثم أن لا جديد فيها. الجديد الوحيد فيها هو العودة إلى سِير أولئك المذهلين الذين طلبوا الأماكن التي لم يصلها أحد من قبل. الصحراء الكبرى أو المحيط الكبير أو القارة المجهولة أو أعلى قمة في الأرض. وإذ يصلون يغرسون علم بلدهم في أعلى خلاء بين الأرض والسماء وفي كعبه حجر عليه الاسم والتاريخ.

من هو أهمهم؟ من هو أشهرهم؟ تضحك عندما تعرف أن أشهرهم كان كريستوف كولومبوس. لكنه كان أيضا أجهلهم. لم يكن يعرف حتى اسم أميركا التي ارتبط اسمه باكتشافها. ظن الغبي أنه ذاهب إلى الصين. مثله مثل جميع أبناء جيله سحرته رحلة ماركو بولو. والى الآن هناك من يشكك في أن نصف رحلة ماركو بولو مبنية على روايات سمعها من التجار العرب. وفي أي حال سحر جميع الحالمين. وحاولوا أن يسعوا في أثره. فإذا هذا الإيطالي الآخر، الإيطالي الغبي، يدب في الكاريبي ثم في بلاد الهنود الحمر.