الاتحاد الإفريقي والشرعية

TT

بحكم دلالات الأزمة في زيمبابوي وخطورتها على أكثر من صعيد وآنيا وعلى المدى المتوسط والبعيد، فإن مجرد حضور السيد موغابي أشغال قمة الاتحاد الإفريقي، التي انعقدت في شرم الشيخ مؤخرا بحضور 53 رئيس دولة وحكومة، يطرح إشكالية ذات حساسية عالية تتعلق بنظرة الدول الإفريقية إلى مسألة الشرعية والقيمة التي تحظى بها في تقديراتهم وحساباتهم. ذلك أن مجرد حضور موغابي والحال أن عدة مؤشرات أظهرت عدم شرعية تمسكه المَرَضي بالحكم وكيفية التفافه على المعارضة، يعني وجود نوع من التواطؤ مع موغابي الذي أعلن ولايته السادسة لمدة خمس سنوات مقبلة ضاربا بعرض الحائط مكاسب المعارضة وحقها الشرعي في تسلم الحكم في زيمبابوي.

والغريب أن موغابي رغم كل الاحتجاجات الدولية ضده، فإنه قد استطاع أن يسرق الأضواء في القمة وأن ينتزع على حسابها اهتمام وسائل الإعلام فإذا به محور الاهتمام ونجم القادة الآفارقة المشاركين وهو المطعون في شرعية حكمه داخليا ودوليا. وبدل تركيز المراقبين على معضلات القارة الإفرقية ومشاكل الفقر والبطالة وسوء التغذية والأمراض وأرقام السيدا (الأيدز) المخيفة، التي تنهش مناعة الآفارقة، فإن القمة الأخيرة للاتحاد الإفريقي، أظهرت مراهقة إفريقية وعدم نضج سياسي وخاصة عدم الجدية في خوض مغامرة الديمقراطية ومساندة ممارسيها والمدافعين عنها ذلك أن حضور موغابي يطرح في حد ذاته امتحان مدى جدية إفريقيا في ممارسة الشرعية السياسية والابتعاد عن تلك الأشكال اللاقانونية التي تمارسها عدة أنظمة، لاسيما أن موغابي قد خسر هو وحزبه الانتخابات الماضية .

يبدو أن الاتحاد الإفريقي قد فشل في الامتحان ولم يستطع أن يظهر استقلالية ولو كانت نسبية إذ أن ارتباطه بالأنظمة أكثر وثوقا ولا يمتلك أي صلاحيات، تُمكنه من الدفاع عن الشرعية السياسية بدليل رفض موغابي دعوة قمة الاتحاد الإفريقي تقاسم السلطة مع المعارضة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، بل أن الاتحاد قد تبنى نظرية المؤامرة التي يقوم موغابي بتسويقها سياسيا منذ فترة .

وبالنظر إلى الخطاب الغربي الحالي الذي بات يربط بشكل عضوي وشرطي بين الاصلاحات السياسية والمساعدات المادية، فإن ما يمكن تسجيله هو أن قمة الاتحاد الإفريقي قد كشفت عن وعي ضعيف بطبيعة الاستحقاقات الدولية والمتغيرات الحاصلة خصوصا أن هذه القمة أكدت دعم جل الأنظمة في إفريقيا لموغابي وهي أنظمة في أغلبها متعنتة في مسألة التداول على السلطة وضرورة دوران النخب السياسية من أجل الصالح الإفريقي العام .

لقد سقط الاتحاد الإفريقي في امتحان الدفاع عن الشرعية السياسية وأظهر أنه مازال يتبنى ثقافة الحكم الشمولي. طبعا قد يتعلل أنصار موغابي بشرعية هذا الأخير التاريخية والكاريزماتية باعتبار أنه أبو الاستقلال في زيمبابوي ولكن زمن الشرعية التاريخية قد انتهى وزمن الشرعية الكاريزماتية قد ولى بحلول عهد التكنوقراط . وهناك حتى من إفريقيا من فهم التبدلات الجديدة في مفهوم الشرعية من ذلك أن سنغور الذي حقق استقلال بلاده، قد آثر الانسحاب في اللحظة التاريخية المناسبة .

[email protected]