الخرطوم ودموع الأصدقاء التماسيح (1 ـ 2)

TT

مرت رياح الصدمة عقب أن أذاع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية اتهامه الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب. ولا ندري بعد إنْ كانت السلطة في الخرطوم قد أفاقت من هولها، أم انها لا تزال في فورة غضبها. وها هو رسول الأزمات، الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، يبدأ رحلة يبدو انها ستكون مكوكية، وطويلة، من وإلى العاصمة السودانية، إن أبقت الحكومة فمها مغلقا وآذانها مفتوحة.

ففي أيام الصدمة الأولى تكرّم عليَّ بعض المسؤولين السودانيين، وموظفيهم، بكيل الشتائم لي لأنني كتبت أقول إن المحكمة، من حيث المبدأ، ضرورة لمحاسبة الانظمة عندما تتمادى في اساءة استخدام السلطة ضد شعوبها. لم أقل إن الرئيس البشير، أو غيره، مذنب بل ان المبدأ سليم، وضروري لردع الانظمة إنْ أخطأت. وانا واثق ان القرار يلقى ترحيب المثقفين، والنشطين سياسيا في العالم العربي، الذين يرون ان بعض الانظمة لم تعد تكتفي بحبس المخالفين فصارت تمد يدها الى قتل مئات وربما آلاف من مواطنيها.

وبدل شتم المحكمة، وتخويف الكتاب وأصحاب الرأي المخالفين لهم، فإن على مسؤولي السودان ان يفكروا جيدا في الورطة التي هم فيها اليوم. عليهم ان يستمعوا الى من يختلف معهم او ينتقدهم لا ان يجالسوا الذين يذرفون الدموع ويعلنون التضامن الكاذب. فالتفكير المتزن العاقل قد يقودهم الى حل، أما أهل الهتافات فسيغرقونهم اكثر في مستنقع المحكمة. وهنا أذكرهم بأن الحكم الحالي للسودان ليس اقوى من حكم صدام في حينه، ولا أغنى من ليبيا أيام لوكربي، ولا أكثر أهمية من يوغسلافيا في حرب البوسنة.

بعد أشهر، ستسخن القضية وتظهر جدية أكثر، حينها لن يجد النظام من الحكومات العربية من تؤيده. كما ان الحليف الصيني، بكل ما أظهره من دعم لحكومة البشير، ولديكتاتور زيمبابوي، لن يعرّض مصالحه الدولية للخطر، وسيفعل ما فعله الروس الذين ساندوا نظام ميلوشيفيتش في بلغراد بالمال والسلاح، بحكم علاقة الدم والدين والسياسة مع الصرب، لكنهم في النهاية باعوه حيث نشطت ملاحقة المطلوبين الصرب للمحكمة الدولية وقبض عليهم وحوكموا.

ولو أردنا أن نعدد أخطاء النظام السوداني فهي تملأ كتبا أبسطها انه خلال سنوات الازمة الثلاث فضل المكابرة وتحدي كل المنظمات الدولية الانسانية، والحقوقية، والمبعوثين، الذين حثوا الحكومة على المساعدة على حل مأساة دارفور. وبدل مسايرة المطالب الدولية، والتفاهم معها، كان الرد عادة بأن دارفور آمنة والناس سعيدة، وكل ما يقال من هجوم وحرق وتهجير وقتل مجرد أكاذيب. أنا واثق ان الخرطوم حينها كانت قادرة على تفكيك المشكلة، وإشراك المجتمع الدولي في إنهاء المأساة. لكن، لان السلطة معتادة على قهر خصومها، استهانت بالمظاهرات الدولية واعتبرت المحتجين مجموعة فنانين ومثقفين وتلاميذ جامعات ونساء بلا قيمة. وهكذا بلغ الأمر المحكمة من دون أن يعي قادة الخرطوم معناها وخطرها، ولم يستوعبوا أنه صارت هناك شعبية عالمية لمحاكمتهم. وأضيف على ذلك بانه لن يجرؤ أي زعيم دولي على عرقلة المحكمة الدولية لأننا في سنة الانتخابات الكبرى.

[email protected]