أرمل طفيلي وجهل جغرافي مريع

TT

ثمة توافق على أن اليوناني هيرودوتس، الذي جاب ديار المتوسط في القرن الرابع قبل الميلاد، كان أول الرحالة. أو أول المؤرخين. وقد سمى البعض هذا المثابر الذكي والمغامر «لورد الكذابين» أيضاً بسبب ما نقل من خرافات عن الناس الذين التقاهم. لكن الأوروبيين عادوا فتأخروا وتخلفوا في كل شيء. وهذا التخلف بالذات كان سبب «حركة الاستكشاف» التي بدأت في القرن الخامس عشر. ففي هذه المرحلة كان العرب والمسلمون قد وضعوا أيديهم على مصادر التجارة وأقاموا مراكز لهم في الأرض وصولا الى مدغشقر، فيما غرقت أوروبا في الفقر والتخلف. ولذا فإنها لم تندفع نحو اكتشاف الأراضي الجديدة بل في سبيل القارات المعروفة ومنابع التجارة التي عددها أحد الرحالة يومها 288 صنفاً فاخراً من الحرير والقطن الى السكر والأحجار الكريمة والأصباغ والعطور، وخصوصاً خصوصاً البهارات.

كان التجار العرب يشترون ما قيمته 3 قروش في الهند ويبيعونه بستين قرشاً في القاهرة ثم يباع بثلاثة أضعاف ذلك في البندقية. لذلك سعى الأوروبيون الى سبيل ينقلهم الى الصين مباشرة بعيداً عن الاحتكار العربي. الغرابة ان البرتغال، افقر دول أوروبا، المؤلفة من مليون نسمة ليس بينهم سوى حوالي 200 متعلم، هي التي تقدمت الجميع. فقد انتشرت مراكزها التجارية على سواحل افريقيا وفي الجزيرة العربية، وتكدست ثرواتها، لكن نصف ملاحيها كانوا يموتون مرضا أو غرقا. وفي هذه الأثناء اكتشفت أيضاً البرازيل واستعمرتها.

كان كولومبوس إيطالياً من جنوى، عمل لسنوات عدة في اسطولها التجاري حول المتوسط. وذات مرة هوجمت سفينته قبالة البرتغال وغرقت، فركب قطعة من الحطام وأبحر الى لشبونة حيث وجد عملاً. وهناك قرأ مغامرات ماركو بولو فأراد تقليده في الذهاب الى الصين أو المناطق التي كانت تعرف ببلاد الهند.

كانت حسابات كولومبوس الجغرافية خاطئة بنسبة 300% وعندما عرض مشروع الرحلة على ملك البرتغال رفضه. وعرضه على باريس ولندن فلم تكترثا. وعلى ملكة اسبانيا فلم تجد مالاً كافياً. وضاقت البرتغال «بالطفيلي» الذي تزوج امرأة ثرية يعيش من مالها. ثم توفيت ولم تترك له شيئاً فأعانه شقيقه وعشيقته وولداه. لكن حياة كولومبوس البالغ يومها 38 عاماً سوف تتغير وتتغير حركة التاريخ وتاريخ الجغرافيا عندما احتلت اسبانيا جزيرة غرينادا.

إلى اللقاء