عود للهلاهل

TT

اثارت مقالتي «هلاهل يهودية» كثيرا من التعليقات لفتت نظري منها رسالة السيدة ليندا منوحين ـ عبد العزيز. وهي احدى ضحايا الاضطهاد الشوفيني الذي تعرضت له في العراق، حيث اعدم صدام حسين والدها ذلك المحامي الوطني المحترم.

ومع ذلك ظلت متطلعة للحوار مع العرب وإحياء التراث العراقي في وطنها الجديد، اسرائيل.

يعتقد الكثير ان حل المسألة الفلسطينية في يد امريكا. انا ارى ان هذا الحل بيد اليهود الشرقيين في اسرائيل، الذين يشكلون الاكثرية فيها. فلو استعملوا ثقلهم واصواتهم في دعم الاحزاب والمنظمات اللبرالية واليسارية المتفهمة لحقوق الفلسطينيين ومعاناتهم، والمؤمنة باستراتيجية التصالح مع العرب واقامة السلام في المنطقة على اسس عادلة، لزالت كل العقبات القائمة الآن ضد الوصول الى الحل وتحقيق السلام بين الطرفين.

تشير السيدة ليندا الى صخرة الواقع الفلسطيني، التي وقفت امام الحوار والتفاهم. يا سيدتي الفاضلة، نحن العرب عموما نفهم ما تقولين. فالتعنت الفلسطيني وقياداته الخاطئة ساهمت في الانسداد الحالي والهوة التي يجد الفلسطينيون انفسهم فيها الآن. هذه مسألة عقدتها عناصر كثيرة. فاليهود العرب، العراقيون منهم خاصة، الذين هاجروا لإسرائيل جاؤوا محملين بالحقد ضد العرب نتيجة ما تحملوه. هذا ما لمسته في لقاءاتي مع الشرقيين. ويل من ظلم المظلوم. والمرأة المغتصبة لا تحترم شرف الآخرين. لم يكونوا مستعدين لتفهم حقوق الفلسطينيين ولم يعبأوا بها او يتحاوروا معهم. الاشكناز لم يتعرضوا لاضطهاد الشوفينيين العرب. فسهل عليهم الأمر. اعرف اشكنازيا جرح في حرب 1948. منحوه كمقعد بيتا وفيرا في القدس. رفض تسلمه وفضل السكن في معبر، قائلا انه لا يريد ان يقضي حياته في بيت مغتصب.

ومن الناحية الاخرى نظر الفلسطينيون الى الشرقيين كأعداء جاؤوا من ارض بعيدة

وقاتلوهم وجلسوا في بيوتهم واخذوا اراضيهم. كيف يستطيعون الجلوس معهم ومحاورتهم

وفهم ما تعرضوا له؟

وهكذا حصل الانسداد. حاول بعض الاسرائيليين/ العراقيين محاورة الفلسطينيين ولكنهم واجهوا «الصخرة» التي ذكرتها ليندا.

لا تيأسي يا سيدتي الفاضلة من محاولتك إقامة هذا الحوار. فكما قال تشرشل في احلك غمرات الحرب، من وراء الظلمات ينطلق الفجر. لا بد لهذين الشعبين من التعايش. ولا بد لهذا التعايش من تحاور. والكرة في جانب اليهود الشرقيين. عليهم اولا ان يغسلوا قلوبهم من هذا التشنج المعادي للعرب والمسلمين. وعليهم ثانيا ان يستعملوا ثقلهم واصواتهم في دعم الاحزاب والمنظمات والشخصيات المؤمنة بالسلام العادل وتفهم حقوق الفلسطينيين. عليهم وعلى الفلسطينيين ان يدركوا ان ما قد يترتب عليهم ان يدفعوه من ثمن وتنازل الآن سيرد اليهم على المدى المستقبلي بعوائد لا يمكن حصرها في عالم جديد من الشرق الاوسط يرفل بالأمن والسلام ويعج بالازدهار والتعاون ويعيد المنطقة لتستأنف مسيرتها الحضارية العريقة التي خدمت البشرية وأنارت الأرض لألوف من السنين.