علاقات دمشق مع العرب: ليست على ما يرام.. ترى ما السبب؟!

TT

سئل الرئيس السوري بشار الأسد، في لقاء مع قناة الجزيرة، حول علاقات بلاده مع السعودية ومصر، فأجاب إنها ليست على ما يرام، وأضاف أنه لا يعلم ما هو السبب الذي أدى لهذا الفتور!

على أن الإجابة كانت مفاجأة لكثيرين، لاسيما المتابعين لتاريخية العلاقة وتحولاتها، فالحقيقة الماثلة للعيان، تقول إن اختلاف وجهات النظر بين الدولتين ليس جديدا، وقد حدث مرارا خلال العقود الماضية، مثلما يحدث لأي دولتين اختلفتا حول مسائل معينة، ثم لا تلبثان أن تتفقا، فتعود العلاقة أكثر حيوية، غير ان الجديد في ان اختلافهما حول بعض المسائل، برز خلال السنتين الماضيتين، وكأنه افتراق استراتيجي. ترى ما السبب؟!

يبدو ان ما زاد حدة الخلاف بينهما، هو عندما التهبت بعض ملفات المنطقة واتسعت دوائرها، حيث مثلت اختلاف التوجهات السياسية عنصرا مهما في إحداث هذا الشرخ في العلاقات العربية ـ العربية، واللافت حقيقة انه على مر العقود الأربعة الماضية، صمدت العلاقات السعودية السورية رغم ما مر خلال تلك الفترة من مواقف وأحداث أثرت بطريقة ما على حيوية العلاقة، فلم تفسد تلك الخلافات العلاقة الاستراتيجية بين الدولتين، ولعل أبرزها الحملة السورية على المخيمات الفلسطينية في لبنان أو ما قام به النظام السوري ضد الإخوان المسلمين أو التقارب مع إيران في حربها مع العراق.

كان الرئيس الراحل حافظ الأسد حريصا آنذاك على عدم الإضرار بعلاقته مع السعودية، وتبين لاحقا بُعد نظر القيادتين اللتين آمنتا أن ترسيخ العلاقة، هو هدف استراتيجي مشترك، وضمانة لاستقرار الإقليم. فما فتئتا ترسخانها بين تارة وأخرى.

ولعل هذا ما يفسر بقاء الملك عبد الله في دمشق، عندما كان وليا للعهد ثلاثة أيام، مشاركا في مراسم تشييع حافظ الأسد حتى انتهائها، ثم لم يلبث أن عاد بعدها بشهر مهنئا الرئيس الجديد، وما هي سوى بضعة أشهر حتى بدأت مشاريع سعودية ضخمة تقدر بخمسين مشروعا وبمئات الملايين تضع أقدامها في دمشق، فكانت بمثابة رسالة دعم سياسية واقتصادية سعودية للرئيس الشاب، في وقت كانت تحوم الكثير من التساؤلات حول استقرار سوريا بعد رحيل الرئيس الأب.

إذن، إذا كانت تلك هي الأجواء السائدة، فما الذي حدث ليصار إلى تلك الانتكاسة، وما هو الخلل الذي أدى إلى وصول هذه العلاقة إلى حالة شبه قطيعة وجفاء وفتور؟!

المتابع للأحداث يلحظ أن هنالك مجموعة من المواقف ساهمت في أحداث هذه الحالة الافتراقية بين دمشق والرياض، ويبدو أنها بلورت هذا المناخ الراهن بينهما؟ هناك من يرى بأن الملفين اللبناني والعراقي وتدخل سوريا فيهما بأسلوب صارخ أدى إلى زعزعة الاستقرار في البلدين، من الأمور التي أغضبت السعودية كثيرا، فضلا عن عدم التزام القيادة السورية بالوعود التي قطعتها في قمة الرياض، ولعل جملة الأحداث من اغتيال الحريري واستمرار مسلسل الاغتيال لكل من يعارض سياسة دمشق، فضلا عن غض بصرها لتسلل السعوديين للقتال في العراق، والخطاب الشهير للرئيس السوري بعد حرب تموز، وكذلك تصريحات فاروق الشرع النارية المسيئة للأسرة الحاكمة السعودية، كل هذه أسباب بالتأكيد خلقت حالة من القطيعة.

غير أن البعض يرى أن التحالف السوري مع إيران، جاء على حساب مصالح العرب وأمنهم القومي، وانه يمثل السبب الرئيس لجذر الخلاف مع سوريا، بدليل أنها جعلت مرتكز سياستها الخارجية ينطلق من طهران وليس من الدول العربية، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تجاوزته، لتهيئ لطهران الأرضية المناسبة لمد أذرعتها في الخاصرة العربية، ولعل هذا الفارق الشاسع ما بين سياسة الأب وسياسية الابن، حيث أجاد الأول معرفة وإدراك توازنات اللعبة السياسية وضرورات المرحلة.

ومع ذلك، نعتقد أن من حق سوريا ان تبحث عن مصلحتها، مثلها مثل أي دولة ضمن إطار القانون الدولي والعلاقات الدولية، بيد أن مشكلة النظام السوري انه تجاوز الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالتدخل السلبي بأوضاع بلدان تبحث شعوبها عن الأمن والاستقرار، وهذا يقودنا إلى القناعة في أن القاسم المشترك ما بين طهران ودمشق، هو البحث عن ضمانات لبقاء النظامين وعدم إسقاطهما والاعتراف بدورهما الإقليمي، وكان من الطبيعي ان تبحثا كلتاهما عن أوراق لعب فعالة لاستخدامها في المساومة أو المفاوضة مع الغرب وتحديدا الولايات المتحدة.

ولذلك يبدو انه من المستحيل ان تعود المياه إلى مجاريها، وان تضخ الدماء في عروق العلاقات العربية ـ العربية طالما انه لم تتوفر الإرادة السياسية في تغيير واقع الحال.

وليس سرا، أن تحالف سوريا مع إيران اضعف شوكة التضامن العربي، وأوجد فراغا ما فتئت إيران تراهن على ملئه، وهو ما دفع السعودية إلى ان تتدارك الوضع بتوفيرها الدعم لكافة القضايا العربية، وعدم السماح لأطراف إقليمية لخطف القضايا العربية من اجل أجندتها الخاصة، منطلقة من شعورها الصادق بواجبها اتجاه الأشقاء وإحساسها بالمسؤولية الملقاة على عاتقها لتحقيق الأمن والاستقرار لدول المنطقة.

ان على سوريا ان تراجع سياستها الخارجية، وتغير من سلوكها وتعقلن سياستها، وتتخلص من عقدة السعي لدور إقليمي في المنطقة، وتتوفر لها الإرادة السياسية بالقيام بدورها الفاعل في المنطقة مع السعودية ومصر، لأنها للأسف والى هذه اللحظة لم ترسل أي إشارات أو بوادر تشي برغبتها في العودة للحضن العربي، فهل نشهد صحوة سورية، وبالتالي إحياء محور الرياض والقاهرة ودمشق، ليقف سدا منيعا أمام المشروعين الأميركي والإيراني على حد سواء، وبالتالي تكون العلاقات العربية على أحسن ما يرام.