الخرطوم ودموع الأصدقاء التماسيح (2 ـ 2)

TT

إن كانت فكرة الجامعة العربية، التي حملها الأمين العام عمرو موسى، بالفعل ما يردد عن أنها تقترح حل مشكلة دارفور، وليس فك أزمة البشير فقط، فانها خطوة ذكية وعادلة. فالهدف ليس تحدي المحكمة، ولا دعم البشير، ولا إعلانه بريئا، بل التوازن. صحيح أن الجامعة حثت على ما سمته احترام سيادة الدول ورموزها، كلام إنشائي هدفه تسجيل موقف عام وتهدئة الخواطر لكنه لم يعط الحكومة السودانية شيئا مفيدا. المهمة الصعبة ستكون في البحث عن حل يرضي مجلس الامن مثل عقد مؤتمر دولي لحل قضية دارفور، أي إقناع حكومة البشير ان تقبل بما كانت ترفضه لسنوات. لقد انتهت حجة السيادة، والتستر وراءها، لأن موت عشرات الآلاف من الناس سيستوجب تدخل النظام الدولي في اي بلد ومهما كانت المبررات. المؤتمر الدولي سيعني إنهاء مسؤولية الحكومة السودانية في إدارة ازمة الإقليم المنكوب، وربما يكون حبل النجاة الوحيد المتاح لإنقاذ السلطة من الملاحقة، فالتنازل عن فرض الحل في دارفور للقرار الدولي أهون من تسليم رئيس الجمهورية واعتقاله ومحاكمته. ومهما تناهى الى سمع القيادة السودانية من تعاطف وتعهدات، من أحزاب داخلية وقوى خارجية، فإنها تدري، او على الأقل تشعر، بأن أكثرها تضمر ضدها ما لا تعلن، وبعضها سعيد بأن يرى النمر صار في القفص. ومهما حشدت القيادة من رأي عام سوداني وعربي خلفها فإنها ستعاني من مشكلتين، واحدة أنه تأييد مؤقت الحضور، والثانية ان لا تأثير له على المحكمة الدولية. وبعد تفرق الحشود سيبقى على النظام ان يواجه موسيقى المحاكمة.

لهذا تمنيت في بداية المقال ان تكون الخرطوم قد شفيت من دوار الصدمة، وبدأت تفكر بشكل جاد وحكيم لتتخلى عن لغة الشتائم، وحفلات التهديد، ورفع العصي، لان ذلك لن يوقف المحكمة الدولية، وستكتشف في وقت لاحق ان معظم من حولها تماسيح تذرف دموعا كاذبة، ولن يساعدها أحد سوى نفسها. على النظام السوداني ألا يبني آماله على التأييد الشعبي والخارجي. ولا يوهم نفسه بحصانة السيادة، والذود عن الكرامة، فهي مقولات تذوب مثل الرمال على شواطئ البحار. فعدوُّ النظام من كذبَ عليه وورَّطه فأوهمه بأن ليس للمحكمة حق في محاسبته، بدعوى عدم توقيعه على نظامها وانه محصن من المساءلة. الامر صار خطرا في اللحظة التي أحال فيها مجلس الامن قضية دارفور على المحكمة الجنائية الدولية. حينها اصبح أي قرار يصدر عن المحكمة ملزما لكل دول العالم، من وقَّع ومنْ لم يوقِّع على ميثاقها.

اليوم الوضع صعب، والحل خارج المحكمة غير مضمون، لكن إنْ أسرع النظام لإصلاح وضع مئات الآلاف المشردين في دارفور فربما يقوي موقف من يريد مساعدته. وان تعاون ومنح القوى السودانية، بما فيها التي سلب منها الحكم بالقوة، مشاركة في الحكم لتوحَّد اكثر الناس وراءه في محنته، وأصلح الوضع السياسي الداخلي الى ما هو وراء زمن المحكمة.

بقي أن نقول لقادة الخرطوم إن عليهم أن يتعلموا ممن سبقوهم، سواء من تنازل فنجا، أو عاند فسقط.

[email protected]