الشرق الأوسط يحبو تدريجيا نحو السلام !

TT

المشهد السياسي في الشرق الأوسط يتغير. ولا يحتاج المراقبون والمحللون الى كبير عناء، كي يتبصروا من خلال التصريحات واللقاءات الاخيرة، تحولات في مواقف الدول المعنية والمعانية، في هذه المنطقة الحساسة من العالم: من جلوس ممثلي الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي مع ممثلي ايران الى طاولة محادثات واحدة في جنيف، الى تأليف حكومة اتحاد وطني في لبنان، الى انفتاح فرنسا والاتحاد الاوروبي على سوريا، الى الاعلان عن مفاوضات حول الجولان بين سوريا واسرائيل، الى تبادل الاسرى بين اسرائيل وحزب الله، الى عودة الوزراء السنة الى الحكومة العراقية، وتحسن الوضعين الامني والسياسي في العراق، وصولا الى زيارة سعد الحريري للنجف وتبادل الغزل بين حزب الله ووليد جنبلاط، وعقد هدنة بين حماس واسرائيل.

هذا اذا لم نذكر اجتماع اربعين رئيس دولة متوسطية، بما فيها اسرائيل، حول طاولة واحدة في باريس، للانطلاق نحو مشروع «الاتحاد المتوسطي»، الذي سيفتح في حال نجاحه آفاقا جديدة من التعاون الاستراتيجي بين الغرب الاوروبي والعالمين العربي والإسلامي، وربما يضع حدا لصراع متقطع بين الغرب والشرق. واذا لم نتوقف عند مؤتمر الحوار بين الاديان في مدريد الذي رعاه خادم الحرمين الشريفين، واعتبر من قبل الجميع، صفحة جديدة تفتح في تاريخ العلاقات بين الاديان، في مطلع هذا القرن الحادي والعشرين الذي قيل: انه سيكون «عصر الأديان» (القول منسوب للكاتب الفرنسي مالرو) او عصر «صراع الحضارات»، في نظر هنتنغتون.

فما الذي حدث، لكي ينفرج الافق وتنقشع الغيوم السوداء من سماء الشرق الأوسط، بعد ان اطبقت على لبنان والعراق وفلسطين وانذرت بحرب بين ايران والولايات المتحدة، أو بضربة جوية اسرائيلية على المفاعل النووية في ايران؟ هل هي رغبة الرئيس الاميركي في انهاء ولايته بانجاز باهر في العراق أو فلسطين، يبيض صفحته التاريخية غير اللامعة، ويقطع الطريق على وصول «باراك» الديموقراطي الى الرئاسة؟ ام هل هي ايران التي تناور لتقطع الطريق على التحول الاميركي الجديد؟ ام هل هي سوريا التي تسعى ـ او تناور ـ للخروج من عزلتها الدولية واسترجاع الجولان، او نفوذها في لبنان؟ ام هي الحكومة الاسرائيلية التي تناور بدورها للالتفاف على الازمات التي تتعرض لها؟ ام هل هو، في ابسط تحليل، «تعب» جميع الاطراف من تراكم وتتابع الازمات والتوترات في المنطقة، وخشيتها من ان تتشابك، اكثر مما هي متشابكة، وان تؤدي الى انفجارات خطيرة، وحروب جديدة؟

الاحتمالان الآخران، غير احتمال الحوار والمحادثات الدبلوماسية ووقف الشحن والتوتر، كانا: ترك الامور تهترئ او الحرب. وهما ليسا افضل الاحتمالات، لا سيما ان العالم بأسره يقف على عتبة ازمات عالمية اخرى واخطر، ونعني: ازمة ارتفاع اسعار النفط والغذاء وتردي الاسواق المالية. وأيضا، بل خصوصا، تأرجح الاقتصاد الاميركي، بين ضفتي تراجع النمو وتدني سعر الدولار، يضاف الى ذلك شعور الدول الاوروبية بان مصلحتها ليست في الاستفادة من «الازمة» الاقتصادية الاميركية، ومن مشاكل حربها على الارهاب وانعكاساته السلبية عليها في العراق وأفغانستان، بل مساعدة الشقيقة الكبرى، على معالجة ازماتها وحل مشاكلها الشرق أوسطية.

ولا شك ايضا في ان الدول العربية والإسلامية «الشقيقة» ادركت ان استمرار تخاصمها و«تناحرها» في العراق وفي لبنان وفلسطين، يضعفها كلها، ويخدم اعداءها واخصامها، وفي مقدمتهم اسرائيل، والجماعات والحركات المتطرفة التي تناكفها، فآثرت سلوك طريق وأسلوب مختلفين في مواجهة المشاكل والأزمات، واقتنعت بضرورة الخروج من الوضع المتفاقم منذ عدة سنوات.

يبقى السؤال عن حظ هذه التحولات الهامة من النجاح؟ فاللاعب الاكبر، ونعني الولايات المتحدة، دخلت في مرحلة نهاية ولاية رئاسية والأشهر الاربعة او الخمسة الباقية من ولاية الرئيس بوش، هي مدة قصيرة، لإتمام صفقة كبيرة في الشرق الأوسط، كاتفاق سوري ـ اسرائيلي او فلسطيني اسرائيلي، او تسوية نووية مع ايران. لا سيما ان هذا الاتفاق مرهون بانعكاساته على المعركة الانتخابية الرئاسية القادمة مع الخريف. كما لا يبدو انه من السهل على الحكومة الاسرائيلية، في وضعها الحالي، الاقدام على خطوتين مصيريتين بحجم الانسحاب من الجولان وتلبية الشروط الفلسطينية لتوقيع اتفاق سلام. وتبقى قضية الحرب على الإرهاب، عاملا اساسيا في تحقق السلام في الشرق الأوسط، وتوصل الطرفين، الاميركي ـ الاوروبي، من جهة، والعربي ـ الاسلامي، من جهة اخرى، الى التوافق حول الفرق بين الارهاب والمقاومة، لاسيما ان الطرف الاميركي ـ الاوروبي، بات مقتنعا بان معركته القادمة ضد الإرهاب، انتقلت من العراق الى أفغانستان وباكستان.

ان العام المقبل، بعد اشهر، سوف يشهد عدة تغييرات على مستوى الرئاسات والحكم، في الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، اي ثلاثة من اللاعبين الرئيسيين على مسرح الشرق الأوسط. فهل سيكون الرؤساء القادمون في هذه الدول، من «الحمائم» او «الصقور»، من المعتدلين ام من المحافظين والراديكاليين؟ وهل يكون عام 2009، عام سلام او عام حروب كبيرة او صغيرة، في المنطقة؟

لا أحد يستطيع الجزم او الترجيح، فيما سيحمل العام الجديد او الاشهر القادمة من مفاجآت سارة او خطيرة، وكل ما يمكن قوله اليوم امام ما يجري، وما نرى او نسمع، هو ان الامور والأوضاع تتطور وتتغير على مسرح السياسة وتصارع الدول في الشرق الأوسط.. وان علينا ان ننتظر نتائج هذه التحولات، مع العلم بان المنطقة هي منطقة عربية اسلامية، اي منطقتنا، وان مسؤولية الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية في حلها، ليست ثانوية.