بدأت تكاليف المشروعات التجارية في الصين في زيادة فعلية. ليس لأن العمال الصينيين يشترون منازل أخرى أو ما شابه ذلك، فما زال متوسط أجورهم أقل من دولار في الساعة. ولكن ترك الكثير من الصينيين الآن قراهم واتجهوا إلى المصانع، مما قلل من الأعداد التي لم تكن تنتهي من العمال الشباب الجدد، وأدى إلى زيادة أجور موظفي خطوط التجميع بنسبة 10 في المائة كل عام.
ولكن ما زال هناك ما هو أسوأ، حيث تصعب قوانين العمل الجديدة على أصحاب الأعمال خداع موظفيهم فيما يتعلق بالأجور والإعانات. وقد حذر الكثير من الشركات الأميركية التي تقيم مصانعها في الصين من هذه القوانين، كما عارضتها الغرفة التجارية الأميركية في شنغهاي تماما. لقد انقضت أيام نظام العمل الماوي، عندما كان يمكن للحكومة أن ترسل عشرات الملايين من العمال إلى الحقول للعمل بقسوة والتعرض للتعذيب على نحو دوري. ولكن يهتم ورثة ماو، الذين لا يترفعون عن بعض التعذيب للبقاء على وجود النظام، بتحقيق التوافق الاجتماعي، وهو ما لم يكن ماو مهتما به، حتى إذا تطلب ذلك إجبار أصحاب الأعمال على التوقيع على عقود مع موظفيهم والالتزام بها.
عند مواجهة هذه الضغوط المرعبة، ماذا تفعل الشركات الأميركية الجيدة المخفضة للتكاليف؟ تهرب الكثير منها عبر الحدود الجنوبية ـ ليست حدودنا (فالتكاليف في المكسيك باهظة)، ولكن عبر الحدود الصينية.
إنها تتجه إلى فيتنام.
ووفقا لتقرير أعده كيث برادشير، ونشر في «نيويورك تايمز» الشهر الماضي، فإن بعض الشركات متعددة الجنسيات مثل كانون (للطابعات وماكينات النسخ) وهانزبراندز (إمبراطورة صناعة الملابس الداخلية في نورث كارولاينا) توسع أو تبني مصانع لها في هانوي، حيث تنتج بضائع تباع في «وول مارت» ومحلات البيع بالتجزئة. وقد زاد الاستثمار الأجنبي المباشر في فيتنام بنسبة 136 في المائة ما بين عامي 2006 و2007، بينما زاد بنسبة 14 في المائة فقط في الصين.
والسبب وراء الاتجاه إلى الجنوب واضح وهو أن عمال المصانع الفيتناميين يحصلون على ربع ما يحصل عليه نظراؤهم الصينيون.
ولكن لماذا اختيرت فيتنام وليس تايلاند، مثلا، حيث تقل أجور العمالة أيضا؟
على ما يبدو أن الميزة في فيتنام سياسية. وقد قال لورنس شو، المدير المالي لشركة تكسهونغ في شنغهاي، وهي إحدى أكبر مصانع المنسوجات القطنية في العالم، لبرادشير: «الشيوعية تعني استقرارا أكبر». وكما يذكر برادشير، تنتشر هذه النظرة بين المديرين الآسيويين وبعض المديرين الأميركيين أيضا، على الرغم من حرصهم على عدم الجهر بهذا. ولكن على أية حال، تحظر فيتنام، مثل الصين، إنشاء اتحادات مستقلة. كما أنه من المحتمل أن يزيد غياب الصحافة الحرة والانتخابات الحرة وعدم وجود تغييرات جذرية في السياسات الاقتصادية للحكومة، من المشروعات التجارية الأميركية.
والآن، أنا لا أحسد الفيتناميين على فرصتهم في الصعود، قبل أن يجدهم رأس المال العالمي كثيري التكلفة فيتحول عنهم إلى بنغلاديش والصومال. ولكن ألم نخض حربا لنحافظ على فيتنام من التحول إلى الشيوعية؟ وقتل فيها حوالي 58 ألف أميركي، أليس كذلك؟ والآن تفضل الشركات الأميركية بالفعل الاستثمار في فيتنام الشيوعية على، فلنقل مثلا، الاستثمار في الفلبين الديموقراطية بطريقة أو بأخرى؟ على الأرجح، إنها ستفضل الاستثمار في فيتنام الشيوعية على الاستثمار في فيتنام الديموقراطية الأقل نظاما، إن وجدت.
فلنتخيل مثلا أن علينا أن نفسر ذلك للـ58 ألف أميركي وأحبائهم. يمكننا أن نقول إنه عن طريق الاستثمار في الدول الشيوعية، سندفعها تجاه الديمقراطية. لكن ما عرفناه في الصين يوضح أنه في الحقيقة، فإن مثل هذه الاستثمارات تقوي من الأنظمة الفاشستية فحسب. ويمكننا أن نقول إن ما نفعله بالفعل هو إدخال الدول الشيوعية إلى النظام الرأسمالي. ولكن مجددا، يؤثر إدخال مئات الملايين من العمال ذوي الأجور الزهيدة في سوق العمل العالمية، وهم خاضعون لسيطرة انتقال رأس المال والقمع الشيوعي، على خفض الأجور في الدول الديموقراطية ذات الاقتصاد المتقدم والتي لا تنتهج استراتيجية قومية للحفاظ على وظائف جيدة داخلها ولا تتوسع فيها (مثل الولايات المتحدة).
أو يمكننا أن نقول إن معارضتنا السابقة للشيوعية كانت رسالة نبيلة وما إلى ذلك، ولكن بعد التخلي عن أوهام الماضي، اكتشفت الشركات الأميركية، بتأييد من الحكومة الأميركية، أن الخلاف مع الشيوعية ليس لأنها غير ديموقراطية ولكن لأنها كانت مناهضة للرأسمالية. وبمجرد دخول الشيوعية في النظام الرأسمالي العالمي، لن يصبح تعارضها مع الديموقراطية أمرا سيئا، بل سيكون أمرا جيدا بالفعل. وهذا هو المنطق السياسي الذي يعزز من تعاملنا مع الصين. ولكن ستكون هناك بعض المخاطرة في ذكر هذا بالنسبة لمشروعاتنا المتزايدة في فيتنام، فربما لم يكن يعرف الأميركيون أصحاب الأسماء المكتوبة على النصب التذكاري كيف ستنسجم الشيوعية الفيتنامية مع المشروعات الأميركية العالمية، أو كيف ستتحول قضية الديموقراطية إلى قضية بلا أية أهمية حقيقية على الإطلاق.
أظن أنه سيكون من المناسب أن ترسل المؤسسة الأميركية رسالة إلى هؤلاء الرجال والنساء المكتوبة أسماؤهم على جدار النصب التذكاري، وأن تحتوى هذه الرسالة مثلا على: «يا رفاق، نأسف لذلك!».
* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»