باراك أوباما سيغير أميركا ويتفهم مشاكل العالم

TT

الجمهوريون قلقون ومنزعجون، هم مثل الديموقراطيين يشعرون بأن باراك اوباما المرشح الديموقراطي سيفوز في الانتخابات الرئاسية بفارق كبير. وفي اتصال مع مسؤولة كبيرة في الحزب الجمهوري، وهي مقربة من احد الرؤساء السابقين كان الغضب واضحاً في صوتها للمبلغ المالي الكبير الذي جمعته حملة اوباما في شهر حزيران (يونيو) الماضي والبالغ 52 مليون دولار. هي اتهمت بعض الدول العربية بأنها تتبرع للمرشح الديموقراطي لأن «أصله مسلم».

الديموقراطيون المتحمسون لاوباما، يقولون ان احداثاً كثيرة قد تقع ما بين الآن وشهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، فالعالم مكان خطير مليء بالمفاجآت. مثل ماذا؟ كأن تحدث عملية ارهابية جديدة في اميركا يقف وراءها اسامة بن لادن زعيم «القاعدة»، ويقول لي احدهم: «انها مسألة دقيقة ان ننتخب رئيساً اسود، وقد نواجه مفاجأة عنصرية جديدة».

ان انتخاب رئيس اميركي اسود فكرة راديكالية، وهذا لن يحصل الا بضجة ونقاش كبيرين. ويشرح لي محدثي الوضع كالتالي: «أن تأتي ابنة بيضاء وتقول لوالديها: تعرفت على شاب اسود ونحن على علاقة حب. يتناقش الوالدان ثم يقبلان بفكرة ان تخرج الابنة البيضاء مع الشاب الاسود. بعد عدة اشهر تأتي الفتاة وتقول لوالديها، انها وصديقها عازمان على الزواج، عندها سيصرخ الوالدان: مهلاً، الآن القضية اختلفت». وهذه حال اوباما. في الانتخابات التمهيدية في الولايات، أحبه الناس وأعجبوا به، لكن مع وصول المنافسة الى اثنين هو وجون ماكين المرشح الجمهوري سيحتدم النقاش اكثر، لكن في النهاية سيوافق... الوالدان.

يمثل اوباما تغييراً كبيراً في اميركا وفي العالم انه التغيير الاكبر منذ اواخر الستينات او بداية السبعينات، انه من جيل مختلف.

«فيل نوبل» لعب دوراً أساسياً الى جانب اوباما في ولاية ساوث كارولينا التي كانت واحدة من بين ثلاث ولايات مهمة في مسيرة اوباما ليصبح مرشح الحزب الديموقراطي. سألته: لماذا علي، انا كعربية ان اثق باوباما؟ اجاب: كيف يمكنك ان تثقي بأي شخص؟ انما هناك عدة اسباب متعلقة باوباما.

يقول: ان اوباما انسان مميز بسبب عدة عوامل أثرت في حياته وأعطته نظرة مختلفة عن العالم.

إن اغلب المرشحين الى رئاسة الجمهورية في اميركا، ولدوا وتربوا في اميركا من ابوين ابيضين، كانوا بروتستانت وربما كاثوليك، من طبقة اعلى من متوسطة تخرجوا من جامعات محترمة.

أما اوباما، فان امه من كنساس، ووالده افريقي مسلم، ثم انه يسافر الى افريقيا للقاء جدته واعمامه وعماته واولادهم، وكلهم يعيشون في قرية افريقية فقيرة، في بيوت معدومة، لا كهرباء فيها ولا تصلها المياه. هؤلاء هم عائلته.

كما انه امضى عدة سنوات في اندونيسيا، ذهب الى مدرسة هناك فيها طلاب من اديان مختلفة، وعاد الى اميركا ليتخرج محامياً من جامعة هارفارد. وكان رئيس تحرير لمجلة «هارفارد لو ريفيو»، ومن يصل الى هذا المركز، وهو الاسود الاول، يعني باعتراف كل اميركا صار على قمة المؤسسة الاميركية المرهونة للنخبة التي تمثل: السلطة والمال في اميركا.

بعد ذلك، عاد الى شيكاغو ليعمل كمنظم لجان لحماية ومساعدة ابناء الشوارع في شيكاغو.

ان هذه العوامل مجتمعة، تعطي الفكرة عن شخص مختلف تماماً مع نظرة مختلفة عن نظرة الباقين الى العالم.

والملاحظ ان اوروبا تعتريها موجة اوباما، وكذلك العرب المقيمون في اوروبا متحمسون لاوباما. لكن ماذا عن العرب في مصر، في فلسطين او في لبنان كيف يمكنهم توقع تغيير في زمن اوباما؟

لي نوبل ما حصل مع صديق له قبل خمسة أشهر في الصحراء الغربية في مصر. هرع نحوه صبية في حوالي العاشرة من اعمارهم، ثم سألوه: هل انت مع اوباما او مع هيلاري. فاجابهم: مع اوباما. عندها هتف الصبية: نحن كذلك.

يؤكد الديموقراطيون المرافقون لحملة اوباما انه سيغير نظرة العالم لاميركا، بعد سنوات من ادارة الرئيس جورج دبليو بوش، وسيغير نظرة اميركا للعالم. ويلفتني نوبل الى ان اوباما عندما كان في شيكاغو الى جانب عمله الاجتماعي كان استاذاً للقانون، بمعنى ان فيه صفات المدرس. ويشرح: «ان اميركا مرتبكة تجاه العالم. نعرف القليل عن بقية العالم بسبب مساحة بلادنا. اننا غارقون في ثقافتنا التي هي قوية جداً ولا تسمح بأن نتفهم العالم. نحن لا نشاهد فضائية «الجزيرة»، لا تشدنا افلام صُنعت في اليابان، اننا لا نرى الفرق الثقافي. من جهة نحن محدودون ومن جهة اخرى ننظر الى العالم من منطلق اننا اقوى دولة في العالم، لكننا لا ندرك معنى اننا القوة العظمى الوحيدة، يخيفنا ما نسمع عن الصين مثلا، لهذا أعتقد بأن أوباما سينجح في أن يشرح للاميركيين ماذا يحدث في العالم».

سيعود اوباما من رحلته الشرق اوسطية والاوروبية لينكب على اختيار «نائب الرئيس». ورد على خاطر الكثيرين انه سيختار كارولين كينيدي ابنة الرئيس جون كينيدي، لكن، مديرو حملته استبعدوا ذلك رغم انها سيدة ذكية ولطيفة، انما لا خبرة سياسية لها، ويقول فيل نوبل: «يكفي اميركا صعوبة ان تنتخب رجلاً اسود، لكن ان تنتخب رجلاً اسود وامرأة كنائب رئيس، أمر لا قدرة للاميركيين على تقبله دفعة واحدة». وذكر مراقب سياسي احتمال ان يختار اوباما جمهورياً كنائب له، وحدد بالذات اسم: تشاك هيغل، وذلك لإثبات امرين: لن يكون هناك رمز اكثر وضوحاً من ان واشنطن ستتغير في زمنه، الا اذا اختار جمهورياً نائباً له، وهذا لم يحدث سابقاً.

من الممكن ان يجد جمهورياً مناسباً له. يشاركه افكاره. سيُحدث هذا صدمة للنظام السياسي ويقلب السياسة التقليدية رأساً على عقب، ويسمح بانفتاح اكثر ونظرة مختلفة.

لكن، ماذا سيحدث اذا تعرّض الرئيس الديموقراطي لحادث، هل يعود البيت الابيض جمهورياً؟

يوضح فيل نوبل: «بالطبع يصبح نائب الرئيس رئيساً. لكن، اذا تم اختيار جمهوري كنائب للرئيس، لا بد ان يكون من مؤيدي افكار اوباما التي تذهب الى ابعد من الانقسام بين الجمهوريين والديموقراطيين. وفي حال تعرض اوباما لحادث ما، فان نائبه حتى لو كان جمهورياً لا بد ان يعين ديموقراطياً نائباً له، للابقاء على الفكرة».

لكن، وقبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية في اميركا، يسود قلق من احتمال تعرض اوباما لعملية اغتيال لمنع وصول اسود الى البيت الابيض. القائمون على حملته يشبّهون هذا الاحتمال بمرض «السرطان». يحاول الانسان ان يعيش حياة صحية، يمارس الرياضة، يتجنب التدخين، لكن هذا لا يمنع من اصابته بالسرطان اذا كان سيصيبه. ان رجال الامن المولجين حماية اوباما يبذلون اقصى ما يستطيعون لمعرفتهم بأن احتمال اغتياله وارد جداً. ان الديموقراطيين تواقون للوصول الى البيت الابيض وهم سيفعلون كل شيء للفوز.