تهافت التهافت

TT

كتبت لي القارئة الفاضلة إحسان عبد القادر تؤيد ما قلته عن تهافت وتفاهات العلماء في الغرب في إشغال أنفسهم وأنفسنا بما لا يغني ولا يشبع. شكرا لها ولكنني أريد أن أضيف ما قرأته مؤخرا من انشغال بعض العلماء البريطانيين بتجارب طويلة لمعرفة ما إذا كان الأخطبوط يمناويا (أي يفضل استعمال ذراعه اليمنى) أو يسراويا عند الأكل، وكل ذلك في الوقت الذي لا يجد فيه ملايين الأطفال في العالم شيئا يأكلونه بيمينهم أو يسارهم. لا بد أن تذكرنا حكاية الاخطبوط اليمناوي أو اليسراوي بما سمعناه في طفولتنا عن ذلك الجدال البيزنطي، ما إذا كانت الدجاجة تخرج من البيضة أو البيضة تخرج من الدجاجة. يقال إنه عندما اقتحم العثمانيون القسطنطينية ودخل محمد الفاتح كنيسة أيا صوفيا على صهوة حصانه، كان حكماء الروم مشغولين في مناقشة ذلك السؤال عن الدجاجة والبيضة، ومنه تعلمنا عبارة «جدل بيزنطي». ويظهر أنه قد شاع بيننا. ففي هذه الأيام تجلس بين العراقيين فتسمعهم يتجادلون بكل حرارة وعصبية عما إذا كان عناصر من «القاعدة» او أعضاء من جيش المهدي هم الذين قاموا بنسف مسجد سامراء التاريخي. وأثناء ذلك يبيت سكان المدينة كل ليلة بدون ماء ولا كهرباء ولا غذاء. والقوم يتجادلون. ويحذو حذوهم في ذلك الفلسطينيون. أهل غزة يتضورون جوعا والإخوان يتجادلون في السيادة، وطبعا في توزيع المناصب. والى الشمال انشغلت المحاكم التركية في حسم هذا السؤال الخطير، هل من حق المرأة المسلمة أن تدخل حرم الجامعة بالحجاب أو أن من حق عمادة الجامعة أن تمنعها من الدخول حتى تنزع حجابها. والعجيب أن نسمع أن مصير الحكومة التركية أصبح معلقا على الإجابة عن هذا السؤال.

وعلى كل، فإنني أستطيع أن أدل ذلك الفريق من العلماء البريطانيين على أخطبوط أجدر بالدراسة حقا، ألا وهو الولايات المتحدة، ذلك الاخطبوط الذي راح يسيطر على الثروات وينتهك الحقوق ويلوث هذه الكرة الأرضية ثم يقول بكدر وأسى: «آسف على الأخطاء التي حصلت». وهو كما نعرف مليا اخطبوط يمناوي تماما.

لتهافت العلماء سجل طويل. ومنه ما فعله أحدهم في القرن التاسع عشر عندما سمع بنظرية التطور. راح يقطع ذيول الفئران ويزاوجها انتظارا لظهور جيل جديد من الفئران بدون ذيل. لم يلفت نظره أحد إلى ما فعله المسلمون واليهود منذ مئات السنين بختان أولادهم. ومع ذلك فلم يسمع أحد منا بامرأة مسلمة تلد طفلا مطهرا من بطنها. الحقيقة أن عالما آخر من الفريق البريطاني شغل نفسه بمعرفة ذكاء الاخطبوط وهل هو أذكى من الخنفسانة أو أن الخنفسانة أكثر ذكاء منه. أعطى كل منهما لغزا مكعبا ملونا لاكتشاف ذلك، ولم تعلن حتى الآن نتيجة الاختبار. ربما ستكون له فائدته في أمريكا عندما يقرر الجمهور انتخاب أي رئيس جديد. ففي الانتخابات السابقة لم يكن عندهم مثل هذا اللغز ليجربوه على المرشحَين ويتحققوا من ذكائهما.