يجب النظر في جرائم الحرب التي ارتكبتها أميركا

TT

عندما يتهم قائد بارز في الجيش الولايات المتحدة بارتكاب جرائم حرب أثناء تعاملها مع المعتقلين، نعلم أننا نحتاج إلى التحرك للأمام. يقول أنطونيو تاجوبا، الجنرال المتقاعد الذي يحقق في الانتهاكات التي ارتكبت في العراق: «ليس ثمة شك في ما إذا كانت الإدارة الحالية قد ارتكبت جرائم حرب». جاء ذلك في تقرير جديد حول ممارسات التعذيب الأميركية أصدرته منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان. السؤال الوحيد الذي يحتاج إلى إجابة هو: هل ستتم مساءلة من أمروا بارتكاب تلك الممارسات؟». لا يعتبر الادعاء في الوقت الحالي هو الخطوة الأولى للمساءلة، فنحن نحتاج إلى لجنة تقصي حقائق تبحث في المكنونات وتقوم بعملية تطهير قومية.

هذا ما قامت به جنوب أفريقيا بعد سياسة التمييز العنصري، عن طريق لجنة الحقائق والمصالحة، وهذا ما قامت به الولايات المتحدة نفسها عن طريق لجنة كرنر للنظر في أعمال الشغب المرتبط بالعرق ولجنة الثمانينات التي نظرت في اعتقال أميركيين يابانيين خلال الحرب العالمية الثانية. ونحتاج الآن إلى لجنة حقائق مماثلة للنظر في الانتهاكات التي ارتكبت في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. نعرف أن الولايات المتحدة قد احتفظت باسم نيلسون مانديلا على قائمة الإرهابيين المنتظرين، وأن الجيش الأميركي تعلم وسائل للاستجواب اقتبست حرفيا من الوسائل الصينية التي كانت تستخدم مع السجناء الأميركيين خلال الحرب الكورية، على الرغم من أننا نعرف أن وسائل التعذيب تلك أفرزت اعترافات كاذبة. إنه لعار قومي أن يموت أكثر من 100 شخص في سجون أميركية في أفغانستان والعراق وغوانتانامو.

الأكثر من ذلك، أن الكثير ممن تعرضوا للتعذيب من الأبرياء.. كانت الإدارة غير مؤهلة لأنها كانت غير أخلاقية. نشرت مجموعة ماكلاتشي الإخبارية سلسلة مؤلمة حول التعذيب وغيرها من الانتهاكات، وذكر عن توماس وايت، السكرتير السابق في الجيش الأميركي، قوله إنه كان واضحا من اللحظة الأولى التي افتتح فيها غوانتانامو أن هذا ليس المكان الذي يجب أن يكون فيه ثلث نزلائه. وتفيد ماكلاتشي بأن أحد السجناء ويدعى محمد اختيار كان معروفا بتأييده للولايات المتحدة بين الناس، ما عدا الجنود الأميركيين الذين انهالوا عليه بالضرب والتنكيل. كما ضربه عدد من المقاتلين المسجونين معه وكانوا يقولون إنه «كافر»، كل ذلك بسبب تاريخه ضد حركة طالبان. ويرجع السبب جزئيا وراء تلك الانتهاكات إلى أنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) لم تقم الكثير من المؤسسات القومية بعملها كما ينبغي. فلم يتناسب أداء الحزب الديمقراطي مع دوره كحزب معارض، ولم تقم الصحف بدورها الرقابي كما ينبغي، فقد تركنا الجمهور يهوي.

ومع ذلك، كان هناك بعض الأبطال، من بينهم منظمات الحقوق المدنية والمحامون الذين تولوا الدفاع عن المعتقلين، كما تحدث عدد قليل من المحافظين داخل الإدارة بصراحة ولم يخشوا أحدا. كتب إريك ليتشتبلو من «نيويورك تايمز» في كتابه الرائع «قانون بوش» إن مفوض خدمات الهجرة ومنح الجنسية جيمس زيغلر وقف ضد خطط لمسح المناطق التي يقطن فيها عرب أميركيون بيتا بيتا. ويشير الكتاب إلى أنه في اجتماع واحد قال زيغلر: «لدينا ما يسمى بالدستور»، مضيفا أن تلك الخطط ستكون غير قانونية وأنه «لن يكون جزءا من ذلك». ومن بين أكثر من أعجبت بهم، المحامون بالجيش الذين غامروا بحياتهم المهنية وتحدوا البنتاغون وأغضبوا زملاءهم، كل ذلك من أجل مسلم مشتبه في ارتكابه أعمالا إرهابية. ففي الوقت الذي كنا فيه ، كبلد، نتبع نهج النفعية، كان هؤلاء الضباط بالجيش يمشون في طريق مشرف، والحق أنهم يستحقون الأوسمة تقديرا لشجاعتهم.

والمفترض ألا تتبع اللجنة التي ستنظر في تلك القضايا مستقلة أيا من الأحزاب القائمة وأن تشتمل على عدد من المسؤولين الأمنيين المحترمين ومسؤولين بالجيش لهم نفس القدر من الاحترام، بمن فيهم شخصيات بارزة في المخابرات، حتى تكون هناك مصداقية للحقائق التي يتوصلون إليها. لقد شعر بعض المسؤولين بالجيش والمخابرات بالصدمة من تلك الانتهاكات، ويرجع ذلك في جزء منه إلى إدراكهم أنه إذا كنا قد مارسنا أسلوب الإيهام بالغرق على البعض، فسيرتد السهم إلينا ويمارس آخرون نفس الأسلوب مع مواطنينا.

ويجب على كل من باراك أوباما وجون ماكين أن يلتزما بإنشاء لجنة تقصي الحقائق وأن تكون هذه على رأس مهام الإدارة المقبلة، ومن المنتظر أن تصدر تلك اللجنة تقريرا يساعدنا في تعلم الدروس من إخفاقاتنا، وأفضل الوسائل لتجنب تلك الإخفاقات خلال أي أزمة مقبلة.

وبالنسبة لمعتقل غوانتانامو نفسه، فإن أفضل مقترح له قالته إحدى المجلات الطبية، هو أن نحول المعتقل إلى منشأة أبحاث تختص بالأمراض الاستوائية التي تصيب الكثيرين حول العالم. وثمة اقتراح ممتاز، وهو أن تقوم الولايات المتحدة بإغلاق السجن وتحويله إلى قاعدة لمحاربة الفقر العالمي، وحينئذ يمكن أن نقول في النهاية كلمة «غوانتانامو» من دون أن ينتابنا شعور الخزي.

* خدمة «نيويورك تايمز»