فواز

TT

لا يمكنني تحديد التاريخ الذي عرفت فيه الأمير فواز بن عبد العزيز، ولكن يبدو أنني لا أذكر أي مرحلة من عمري لم أعرفه فيها.

رحل عن دنيانا الأمير فواز بن عبد العزيز، وهو رجل كان أميرا للعاصمة السعودية الرياض، وبعدها تولى إمارة منطقة مكة المكرمة. وفي خلال فترة إمارته لمنطقة مكة المكرمة تمكن من التواصل بنجاح مع أبناء المنطقة، فشهد الحرم المكي توسيعا لافتا، وحصل للطائف تطور تنموي لافت ثبت مكانتها كمصيف رسمي، الأول للبلاد.

وكان لجدة أول بدايات المشروع الجمالي الحديث للكورنيش والمرافق الأخرى. عرف عن الأمير فواز جديته وصرامته في إدارة شؤون الإمارة، أحب الناس وأحبوه، كان وفيا وهادئا ودائم الابتسام مهما كانت الظروف. والأمير فواز كان على رأس العمل حين حدوث الحادثة الإرهابية الأشهر في تاريخ العالم الإسلامي الحديث، حادثة احتلال «جهيمان» وعصابته للحرم المكي، والمواجهات التي حدثت مع ذلك، وكان ممن أداروا الأزمة حتى تم إلقاء القبض على العصابة الإرهابية وإنهاء حالة الطوارئ بالحرم الشريف.

شهدت دار الأمير فواز مكانة ثقافية مهمة، فكانت وجهة استقبال لأهم ضيوف الدولة حين زيارتهم للبلاد، وحرص دوما على مزج الضيوف بشكل جميل يعكس فيه الثراء الإنساني الموجود بالسعودية من خلفيات ثقافية وفكرية مختلفة في الحوار والمناسبة بشكل يحقق الفائدة لأكبر عدد من الحضور. كانت للفقيد مشاركات إنسانية وخيرية كثيرة، فهو كان مشجعا لزوجته الأميرة فوزية بأن تشارك في أكبر قدر ممكن من المناسبات الخيرية لتنقل إليه القصص والأمثلة عن المشاكل والمعاناة لمحاولة إيجاد الحلول المناسبة والعملية لها. كان بارا بأسرته وخصوصا مع أبناء شقيقه الأمير بندر وهم أيضا بادلوه الحب والبر بشكل جميل ونادر، فلقد كانت العلاقة بينهما خاصة وجميلة.

لقد كان الأمير الراحل على علاقة مع الكثير من رؤساء الدول والحكومات وخصوصا في لبنان ومصر التي تزوج منها الأميرة فوزية، وكانت له خير رفيق وشريك في حياته. كان للأمير فواز بعض الأدوار والمهمات الخاصة جدا في نقل «الرسائل» أو «الآراء» لبعض المسؤولين العرب بتوصيلها من الملوك السعوديين، وهي مهمات لم تكن تحظى بأي تغطية إعلامية أو هالة عامة ولكنها كانت مع قلتها شديدة الأهمية.

كان رحمه الله على علاقة قريبة وخاصة مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز، وكذلك مع الأمير سلمان بن عبد العزيز والأمير ماجد بن عبد العزيز رحمه الله، وكانت تظهر خصوصية هذه العلاقة لدى اجتماعه معهم وتواصله.

يتذكر الناس في إمارة منطقة مكة المكرمة الأمير فواز بالخير دائما، فهو على علاقة جيدة مع أكبر شريحة من الناس مع احتفاظه بهيبة الحاكم، ولكن اسمه سيبقى في ذاكرة سكان جدة بالتحديد وذلك بسبب مشروعه الإسكاني التعاوني الذي سبق فيه الوقت حين إطلاقه. فمشروع الأمير فواز السكني التعاوني كان فكرة رائدة للإسكان الشعبي بالأسعار المخفضة، ونجحت فكرة المشروع الذي بني على فكرة الأحياء المنظمة ذاتية الخدمة في وقت كانت هذه المسألة جديدة تماما.

في السنوات الأخيرة تعرض الأمير فواز لحادث طارئ مؤلم جدا مما عرضه لسلسلة متواصلة من الأزمات الصحية، ومع ذلك تعامل معها بالنفس المسلمة دون أن يغضب أو ينهر أو يسخط، فلقي ربه وهو على هذا الحال. كانت للأمير فواز عادة جميلة «خاصة» وهي طباعة كتاب الدعاء الخاص بمؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز المعروف بـ«الورد المصفى المختار» وتوزيعه على الناس والجمعيات الخيرية والمساجد وذلك كصدقة جارية كانت تلقى الاستحسان وينال الدعاء عليها ممن يحصلون على نسخة منه.

رحم الله الأمير فواز بن عبد العزيز رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.

[email protected]