كتابات للصيف: مائدة لأربعين ألفاً

TT

قبل أن يسافر ماركو بولو إلى الصين عام 1271 كان عماه قد قاما بالرحلة من البندقية وأكرم وفادتهما ملك المغول قوبيلاي، حفيد جنكيز خان، واستضافهما عاما كاملا في خانباليغ الواقعة قرب ما هي بيجينع اليوم. كانت مدينة عظيمة ذات أسوار ارتفاعها 30 قدما وعرضها 60 قدما وطول دائرتها 24 ميلا.

كان ماركو في السادسة عشرة عندما رافق عميه عبر فلسطين وسورية وتركيا حتى أرمينيا. ومن هناك عبر البوادي والصحاري والجبال. كتب يقول: «على التجار الذين يتنقلون من بلد إلى آخر أن يعبروا الصحاري الكبرى والمناطق الجرداء، حيث لا عشب ولا علف لإطعام خيولهم ولا مياه إلا على مسافات طويلة متباعدة».

طال تجوال ماركو بولو نحو 17 عاما. واكتشف في طريقه ما سماه «السلاماندر» أو ما نعرفه الآن بالاسبستوس. ثم وقع على الحجارة التي تحترق لساعات كثيرة، أي الفحم الحجري. وفوجئ عندما رأى الناس تتعامل بالعملة الورقية المصنوعة من خشب التوت «بهذه الأوراق تستطيع شراء أي شيء». والمفاجأة الكبرى في بلاد الخان الكبير كانت النظام البريدي، حيث كان فرسان ينقلون الرسائل مسافة 24 ميلا ويسلمها الواحد للآخر. وفقد ماركو بولو كلمات الإعجاب بملك المغول. فقد كانت لقصره في خانباليغ 4 بوابات يحرس كل منها ألف رجل. كانت الأجنحة الملكية تلمع بالذهب والفضة. وكانت قاعة الطعام تتسع لـ 6 آلاف شخص في الأيام العادية و40 ألفاً في الاحتفال (28 أيلول) بذكرى ولادة قوبيلاي، إذ تفتح القاعات والحدائق المجاورة. وكانت لديه «كشافات» تختار له جواريه من بين حوالي 500 فتاة. والفتاة التي تنتقى كانت تعرض على زوجات رجال البلاط لكي يتأكدن من عذريتها ورائحة أنفاسها.

عندما شعر ماركو وعماه نيكولو ومافيو بالرغبة في العودة، حاول قوبيلاي إقناعهم بالبقاء. وفي النهاية تركوهم يذهبون وقد حملهم رسائل إلى ملوك إسبانيا وفرنسا ومنحهم 14 سفينة تحمل بضائعهم. لقد كانت طريق البحر أكثر أمانا من طرق البر المليئة بالحروب وقطاعي الطرق. وكما هي العادة أبحرت السفن على مقربة من الشواطئ وهذا مكن عزيزنا ماركو من وصف سري لانكا والهند والجزيرة العربية.

برغم ذلك خسر الأسطول 540 رجلا. ونزل آل بولو مرة أخرى مضيق هرمز الذي وجدوه موحشا كالمرة السابقة. ثم لا نعود نعرف الكثير عن ماركو إلى أن يعتقل لمدة عام خلال حرب بين أسطولي جنوى والبندقية. وفي السجن يتعرف إلى كاتب من بيز يدعى رشيسيانو فيملي عليه رحلاته «وصف العالم» الذي صدر عام 1305. وتوفي ماركو عن 70 سنة عام 1324.