كتابات للصيف مرحال، مزواج، مكر، مكرر

TT

كانوا، في نهاية المطاف، كل شيء: شجعاناً ومغامرين ومثابرين، لكنهم لو لم يكونوا كتاباً أيضاً لما وصلنا منهم شيء. ولولا تلك التفاصيل التي دونت لما بقي من تلك الرحلات ما يروى عن حال العالم في أزمانهم وأسفارهم. هاك رحالتنا الأشهر مثلا، أبو عبد الله محمد ابن بطوطة. حاج ومزواج وساحر يحبه الناس ويصغون إليه ويغرقونه بالهدايا. لا بد أن هذا الطنجي كان يأسر سامعيه وعارفيه مذ غادر مدينته عام 1325، وهو في الحادية والعشرين، طالبا مكة في قافلة حجاج عبر شمال أفريقيا. وفي مكة أمضى أشهراً يدرس الشريعة ثم انضم إلى قافلة ذاهبة إلى العراق، فوصلت الكوفة بعد 44 يوماً واستقبل الكوفيون فقراء القافلة وأغنياءها بالخبز والتمور والفاكهة. كان العراق يومها تحت حكم المغول، وكان المغوليون قد اعتنقوا الإسلام فأحاطوا ابن بطوطة باهتمام شديد لكونه يحفظ القرآن. وتحت حماية المغول سافر إلى البصرة وبغداد وأصفهان وتبريز وسافر في دجلة إلى الموصل ثم عاد إلى مكة، قاطعاً مسافة 4 آلاف ميل خلال عام. بعد عودته إلى مكة فكر في «مشروع جيد آخر»، فقرر التوجه إلى سلطنة دلهي في الهند. وكعادته سلك ابن بطوطة الطريق الأطول. وكاد يقتل في اليمن، هو ورفيقه عبد الله التزري، عندما أرشدهما دليل إلى الطريق الخطأ طمعاً في الاستيلاء على متاعهما عندما يهلكان في الصحراء. ثم عاد إلى مصر وذهب إلى القرم عام 1332 وتعرف إلى حاكمها. الخان اوزبغ.

عندما علم ابن بطوطة أن زوجة اوزبغ الثالثة، وهي ابنة إمبراطور بيزنطيا، ترغب في أن تضع مولودها في قصر والدها، طلب من الخان أن يسمح له بمرافقتها وغادر الموكب في 5 تموز 1332 وفيه 5000 خيال وخولي و500 جندي من حرس الخاتون و200 جارية و400 مقطورة و5000 حصان، لكنه عند حدود بيزنطيا أعادت الخاتون الجنود إلى زوجها، وكتب أبو عبد الله يعبر عن انزعاجه من «دخول أراضي المشركين». وفي خريف 1332 غادر في رحلة جديدة صوب أوكرانيا الشديدة البرودة. ومن الفولغا توجه جنوباً وصولا إلى بخارى وسمرقند، ومنها إلى الهند.

تصادف وصوله مع انتصار سلطان دلهي على حركة تمرد، فعينه قاضياً على أربع نواح براتب 12 ألف دينار سنوياً، إضافة إلى 12 ألفاً مكافأة (الدخل المتوسط للعائلة كان 60 ديناراً سنوياً). ثم رماه القدر في جزر المالديف، حيث تزوج 4 نساء وسافر إلى سري لانكا صيف 1344 ثم عاد إلى الهند عام 1347 ثم رجع إلى مكة عام 1349 وعاد إلى المغرب بعد 24 سنة، ومنه سافر مجدداً إلى مالي ثم النيجر وعاد عبر جبال الأطلس إلى فاس، حيث عين قاضياً عليها وراح يملي مذكراته. توفي عام 1368 أو 1369.