عندما رفعت الجلسة

TT

هو رجل عربي مسلم كان يدرس في دولة أوروبية، تعرّف إلى زميلة له، وأعجب كل منهما بالآخر، خصوصاً أن زميلته تبدو جيدة غير عبثية وعلى خلق.

وبما أن ذلك الرجل لا يريد أن يتبع الحرام، لهذا قرر أن يفاتح زميلته برغبته في الزواج منها، ووافقت دون تردد، غير أنه صارحها أن لديه شرطاً واحداً أنه لو حصل أن أنجبت أطفالا فالأطفال يجب أن يتبعوا ديانته، ووافقت كذلك.

ومرت الأعوام بسلام، وتخرج الرجل في الجامعة، وبدأ في تحضيره للدراسات العليا، وأنجبت له زوجته ولداً وبنتاً، وكان طوال هذه المدّة يحاول وعلى أمل أن يقنع زوجته بالدخول في الإسلام غير أنها كانت ترفض ذلك رفضاً قاطعاً، متمسكة بدينها مثلما هو متمسك وأكثر، وكلما فاتحها بذلك، تردد عليه الآية الكريمة: «لكم دينكم ولِيَ دين».

وبعد سبعة أعوام، بدأ التناقض والتنافر والمشاكل تطفو على السطح عندما بدأ يكبر الطفلان ويفهمان، حيث أن والدهما يلقنهما تعاليم الإسلام، ووالدتهما تلقنهما تعاليم ديانتها، وبما أن والدهما يحرص على أخذهما معه لصلاة الجمعة في المسجد، فإن والدتهما أصرت على أن يكون لها الحق أيضاً في أخذهما معها للصلاة في الكنيسة يوم الأحد. وبدأ التحدي ووصلت الخناقات بينهما إلى عنان السماء، ثم حصل الطلاق.

وأرادت هي أن تستأثر بالطفلين معها وتربيتهما تربية مسيحية، فيما الوالد متمسك بطفليه، ووصلت القضية بينهما إلى المحكمة. وبعد أخذ وردّ، حكمت المحكمة على أن للأب الحق في رعاية طفليه وتنشئتهما على ديانته ـ خصوصاً أنه اشترط هذا الشرط قبل الزواج ـ ولكن يحق للأم أن تجتمع مع طفليها كل شهر في مكان عام، ولا تتحدث معهما في الدين إطلاقاً.

وفرح الأب واحتوى طفليه وانكبّ على دراسته، غير أنه بعد سنة ونصف السنة، حنّ إلى حياة الزوجية التي تعوّد عليها، وبما أنه يكره الحرام، ويريد أن يحصّن نفسه، فقد استقر رأيه على أن يتزوج بامرأة مسلمة ملتزمة متدينة من جنسيته، وهذا ما حصل فعلا. غير أن تلك المرأة كانت منغلقة غيّارة ليس في قلبها أي رحمة للطفلين، وساطتهما سوط العذاب وأرعبتهما، وكانت تستغل ذهاب زوجها للمحاضرات والدرس لتتفنن في تلويعهما، وكلما شكوا لوالدهما، أخذت تلك المرأة تصيح وتبكي مدعية البراءة وتقول: كيف لا تصدقني وتصدق عيال النصرانية؟!

ولكي يريح الزوج (دماغه) ويتفرغ إلى تحصيله العلمي، أدخل طفليه مدرسة داخلية مختلطة أكثر تلامذتها من المسلمين، وفي نهاية كل أسبوع يذهب ويقضي معهما نهاره ثم يعيدهما. وبعد أربعة أعوام وقبل أن يناقش رسالة الدكتوراه بعدة أشهر، أصيب بعارض صحي وانقطع عن الدراسة لمدة ثلاثة أعوام للعلاج، ثم شفي وعاد للدراسة. وفي هذه الأثناء كان الطفلان يكبران وتتفتح مداركهما على كل (ما هب ودب)، بعيداً عن البيت والأب والأم.

وبعد أن وصلا إلى عمر المراهقة، أخذا يتمردان على والدهما، ويرفضان الانتماء لأي دين.. وشجعتهما والدتهما على ذلك من بعيد، وعرف الوالد ذلك ورفع دعوى ضدها.

وعادت القضية للمحكمة من جديد، عندها قال القاضي: لقد اختلفت الأمور الآن، وخرج الموضوع من أيديكما، لا بد من استدعاء الابنين. وعندما حضرا سألهما القاضي: هل تريدان أن تكونا مسلمين أم مسيحيين؟! قالا له بصوت واحد: لا هذا ولا هذا، عندها قال القاضي: هما أحرار، ورفعت الجلسة.

[email protected]