مرحبا بـ«ماكباما»

TT

يحتاج جون ماكين إلى الاستيقاظ وشم رائحة البُن العربي. أعلم أن هذا ليس وقتا سهلا بالنسبة له. عندما تتلقى الانتقادات لمدة أربعة أعوام بسبب تأييدك للحرب على العراق، ثم تفعل شيئا صائبا، تؤيد إرسال المزيد من القوات، فأنت تحتاج إلى أن تستمتع بهذا لبعض الوقت. تريد أن تجعل من صواب رأيك في هذا الأمر قضية الانتخابات.

كان ماكين محقا في تأييده لإرسال المزيد من القوات. فقد ساعدت هذه العملية على تحقيق الاستقرار في العراق ووفرت فرصة أفضل للوصول إلى المصالحة السياسية. ولكن كان العراق دوما قصة مليئة بالمفاجآت. وإحدى أهم هذه المفاجآت السياسية هي السرعة التي جعلت بها زيادة القوات الوضع في العراق آمنا وملائما لسياسة أوباما الخارجية، وسياسة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الانتخابية.

لا تصدق أبدا أنه كان هناك خطأ في الترجمة عندما صرح المالكي لمجلة «دير شبيغل» الألمانية أخيرا بأن الجدول الزمني الذي وضعه أوباما لانسحاب القوات الأميركية من العراق، وهو في غضون 16 شهر من إلقاء الرئيس الأميركي القادم اليمين الدستورية، «قد يكون ملائما». كان المالكي محددا حيث قال: «من يريد خروجا أسرع لديه تقييم أفضل للوضع في العراق».

لقد كان يتحدث عن الحقيقة: إن بعض الاستقرار الذي نتج عن إرسال المزيد من القوات غيّر من الحركة السياسية في الشأن العراقي، وهو تغيير ليس بصعب الإلغاء، وليس كبيرا كما يلزم، ولكنه كاف لحدوث نتائج مهمة. أخبرني مسؤولون أميركيون في العراق بأن نجاح قبائل السنة في ضرب تنظيم «القاعدة» في مناطقهم، ونجاح الشيعة في القضاء على ميليشيات مقتدى الصدر وعناصر أخرى موالية لإيران في بغداد والبصرة، جعل نظرة العراقيين لأنفسهم مختلفة، ومن ثم اختلفت رؤيتهم للوجود الأميركي في العراق.

يعتقد المزيد من السياسيين العراقيين إنهم قادرون على إدارة شؤونهم بأنفسهم، والقليل من الأميركيين يعتقدون أننا قادرون على تخصيص فترة رئاسية أخرى من أجل العراق.

يقول مايكل ماندلباوم الخبير في السياسة الخارجية في جامعة جونز هوبكنز: «يتطلع الأميركيون إلى مرحلة ما بعد العراق في السياسة الأميركية، ويتطلع العراقيون الآن إلى مرحلة ما بعد أميركا في السياسة العراقية». هذه هي حقيقة العراق بعد عملية إرسال المزيد من القوات، ولا يمكن لأي زعيم في أي من الدولتين أن يتجاهل هذه الحقيقة.

فلننس قصتنا عن هذه الحرب وكيف «حررنا العراق». لنفكر في القصة من منظور عراقي. لا أحد يريد أن يتحرر أو يحتل من قبل شخص آخر. إن هذا مهين. فما زالت فرنسا لم تتغلب على حقيقة أنها تحررت على أيدي الحلفاء. المهم هو كيف بدأ العراقيون، بمساعدة زيادة القوات الأميركية، أخيرا في تحرير أنفسهم، السنة تحرروا من متطرفيهم، والشيعة أيضا من متطرفيهم. والسؤال في العراق: هل يمكن لقوتي التحرير المتوازية أن تندمجا فعليا في حركة وحدة تحريرية وطنية واحدة؟ لا أعلم.

ولكني أعلم هذا: بينما نريد دمج حركة وطنية عراقية، تجمع بين الشيعة والأكراد والسنة، فإننا لا نريدها أن تلتحم ضدنا. فالعمل ضد استمرار الوجود الأميركي في العراق، سيكون موضوعا مغريا للسياسيين العراقيين، في الانتخابات العراقية البلدية والبرلمانية المقبلة، إذا استمر العراق في الحفاظ على الاستقرار.

لذلك، كان المالكي يرسل لنا رسالتين مهمتين عبر «دير شبيغل»: فكان يخبرنا أن الجيش العراقي والدولة العراقية بدآ في الوقوف على أقدامهما، وأن استمرار الاحتلال الأميركي للعراق سيصبح قضية السياسة العراقية، فلن يدع أي سياسي، وخاصة المالكي، منافسيه يتغلبوا عليه في مطالبة الأميركيين في الرحيل. وكان يخبرنا أيضا أن نذكر شيئا: ان العراق بلد عربي. فهو قلب العالم العربي. إنها ليست ألمانيا، وليست اليابان. وبوقوفها كدولة موحدة، لن تتحمل وجودا عسكريا أميركيا مكثفا طويل البقاء.

لذلك، ربما لا يكون ماكين، الذي وصف زيادة القوات الأميركية بالقرار الصائب، على حق، لأن القضية الآن تدور حول العراق ما بعد زيادة القوات. ووفقا لرؤية ماكين ما بعد إرسال المزيد من القوات، والتي قد تكون صائبة أيضا، فإن العراقيين ليس لديهم القوى العسكرية القادرة على حماية أرضهم بعد، كما أنهم يحتاجون إلى المزيد من المساعدة الأميركية لبناء البلاد. وفي الوقت نفسه، يجد أوباما، الذي لم يكن مؤيدا لزيادة القوات والمصر على جدول الانسحاب في غضون 16 شهرا، يجد نفسه في تناغم مثالي مع حالة العراق بعد زيادة القوات، سواء كان ذلك حسن حظ أو ذكاء. ربما يكون جدوله الزمني قصيرا جدا، ولكن يمكن أن يقلق أوباما بهذا الشأن فيما بعد.

كل هذا يرجح أن الموقف السليم تجاه العراق هو «ماكباما»، الذي يفيد بالالتزام بجدول زمني واضح للانسحاب لأن السياسات العراقية والأميركية ما بعد زيادة القوات لن تتحمل المزيد، ولكن لنترك مساحة إذا تحسنت الأمور، بدون تحديد زمن محدد. ولتذكر دوما أنه كلما ظهر العراق ناجحا بالاعتماد الذاتي، بدون المساعدة الأميركية، سيكون لذلك أثر إيجابي على دول الجوار.

* خدمة «نيويورك تايمز»