أثر الإرهاب على الانتخابات الأميركية

TT

لا تؤنبوا تشارلز بلاك، مستشار جون ماكين، لإعرابه علانية عن اعتقاده بأن وقوع هجوم إرهابي على الصعيد الداخلي سيشكل «ميزة كبيرة» لحملة ماكين الانتخابية، وأن اغتيال بي نظير بوتو ساعد ماكين في الفوز في الانتخابات التمهيدية بولاية نيوهامبشير. في الواقع، خطيئة «بلاك» الحقيقية أنه لم يفصح تماماً عن فكره الاستراتيجي.

على سبيل المثال، لم يوضح «بلاك» ما هو الوقت الأمثل، من منظور القائمين على الحملة الانتخابية لـ«ماكين»، لوقوع مثل هذا الهجوم، قبل أم بعد الانتخابات؟ وهل من الأفضل وقوع الهجوم داخل ولاية تقع من الناحية التقليدية تحت نفوذ الجمهوريين أم الديمقراطيين أم ولاية لا تميل بشكل قاطع لأي من الحزبين؟ وما حجم الفائدة التي ستعود على الحملة الانتخابية إذا ما كان الضحية التالية لعمليات الاغتيال من بين القادة الأجانب يتميز بشهرة أكبر بين الأميركيين عن بي نظير بوتو؟

وعلى خلاف الحال مع تأملات هيلاري كلينتون حول اغتيال «بوبي كينيدي» أو حديث باراك أوباما عن تمسك ناخبيه بالسلاح والإيمان، لم تأت تعليقات «بلاك» ارتجالية، وإنما صدرت عنه في إطار حديث أجرته معه مجلة «فورتشن». وقد أدلى بتلك التعليقات دونما إمعان للتفكير فيها لأنها تعكس الاعتقاد السائد في الكثير من جنبات واشنطن. ومن الواضح أن الإرهاب يمثل أكبر قضية يتفوق فيها ماكين على غريمه الديمقراطي في إطار استطلاعات الرأي.

يذكر أن كارل روف سبق أن حدد ملامح معادلة سياسية مفادها أن أي هجوم إرهابي ضد مدينة أميركية يعني نصرا انتخابيا كاسحا للحزب الجمهوري. ومن بين أكثر العوامل التي تدفع الأميركيين باتجاه الجمهوريين الخوف من الإرهاب ومن المثليين. بيد أن هاتين الدعامتين اللتين يقوم عليهما تأييد الحزب الجمهوري بدأتا في التفسخ والانهيار. والآن، تحظى وجهة النظر تلك بالدعم الرئيسي من قبل العملاء السياسيين أمثال «بلاك» وعدد من الصحافيين.

ومن المثير للدهشة أن نجد أن الشعار القديم الذي أطلقه روف ما يزال يحظى بتأييد حتى الآن بالنظر إلى الصدمة الكبرى التي مني بها عام 2006، فقبل أسبوعين من عقد انتخابات التجديد النصفي، تحدث روف بثقة عن أن الحرب الجمهوري سيفوز بأغلبية المقاعد داخل مجلسي الشيوخ والنواب.

لكن دعونا نضع أنفسنا مكان «بلاك» ونحاول تطبيق وجهة نظر «روف» وطرح تساؤل واحد على أنفسنا: إذا ما وقع هجوم إرهابي داخل مدينة أميركية قبل يوم الانتخابات، هل سيكون ذلك في مصلحة الحزب الجمهوري؟

الإجابة أنه ليس بالضرورة أن يخدم ذلك مصلحة الجمهوريين، فبدلاً من ذلك ربما يدفع الهجوم البعض للتساؤل حول السبب وراء عدم إقالة البيت الأبيض لمايكل تشيرتوف، وزير الأمن الداخلي، بعد صدور تقرير عن مجلس النواب أدان تخبطه في التعامل مع كارثة إعصار كاترينا. ولم يدر ذلك الرجل ما يجري في مركز مؤتمرات نيو أورليانز في الوقت الذي كان يجري بثه على شاشات التلفزيون الوطني.

وربما يسفر الهجوم الإرهابي عن اتخاذ الناخبين موقفاً متشدداً حيال العناصر المناهضة للإرهاب داخل حملة ماكين الانتخابية. وتتألف هذه العناصر من مجموعة من المستشارين الذين هاجموا اوباما منذ أسبوعين متهمين إياه بـ«السذاجة» وأنه «مخدوع» وغير مدرك لحقيقة الوضع فيما بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 بعدما أقدم على الترحيب بقرار المحكمة العليا بشأن محتجزي غوانتانامو. في الواقع، سجل فريق العمل المعاون لماكين ليس مشرقاً، ومن الممكن أن يتسببوا في جعل الولايات المتحدة أكثر عرضة للهجمات الإرهابية، حال وصولهم إلى السلطة.

لننظر، على سبيل المثال، إلى «راندي شونمان»، مستشار ماكين للشؤون الخارجية. سبق وأن تولى «شونمان» منصب الرئيس التنفيذي لـ«لجنة تحرير العراق» التي تشكلت عام 2002، وكان ماكين عضو بمجلس إدارتها. وكان الهدف من اللجنة تشجيع شن حرب أسفرت عن تشتيت الموارد الأميركية بعيداً عن المتورطين في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) لصالح غزو دولة لم يكن لها علاقة بالهجوم. وبفضل هذا التخبط الاستراتيجي، أصبح من المحتمل أن تتعرض الولايات المتحدة لهجوم عام 2008 مصدره من باكستان أو أفغانستان، حيث نجح أنصار «أسامة بن لادن، نتيجة تحول الاهتمام الأميركي بعيداً عنهم لصالح تحرير العراق، في إعادة تجميع صفوفهم. يوم الجمعة، أعلنت البنتاغون أن «طالبان» نجحت مجدداً في التحول إلى «حركة تمرد قوية». يذكر أن القائد الأميركي لقوات حل الناتو بشرق أفغانستان اعترف بارتفاع معدلات الهجمات بالمنطقة عن العام السابق بنسبة 40%.

من بين المستشارين الآخرين لماكين بمجال مكافحة الإرهاب والمشكوك في قدراتهم مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابق جيمس وولسي، والذي كان من أكبر المشيدين بأحمد الجلبي، الزعيم العراقي المنفي والذي ساعد في الترويج لمعلومات استخباراتية زائفة حول الترسانة العراقية من أسلحة الدمار الشامل عام 2002، وأصبح الآن شخص غير مرغوب فيه بالنسبة للمسؤولين الأميركيين داخل العراق بسبب صلاته بإيران. وقد تجلت خبرة وولسي، الذي يتهم اوباما بأنه يعتنق وجهات نظر «بالغة الخطورة» حيال الإرهاب، عندما أيد نظريات بلهاء ربطت بين تفجيري أوكلاهوما سيتي عام 1995 ومركز التجارة العالمي عام 1993 والعراق. وفي 11 و12 سبتمبر (أيلول) 2001، ظهر على شاشات التلفزيون ليروج لفكرة أن صدام حسين، وليس أسامة بن لادن، هو الذي اصدر أوامره بشن الهجمات.

ثم ننتقل إلى أحد مروجي مشاعر الخوف والرعب داخل معسكر ماكين، رودي جولياني، الذي تحدث مؤخراً عن فشل اوباما المزعوم في التعلم من دروس انهيار برجي مركز التجارة العالمي. ويأتي ذلك رغم أن الدرس الذي تعلمه جولياني ذاته عندما كان عمدة لنيويورك من تفجير المركز عام 1993 كان إصراره على وضع مركز قيادة الطوارئ التابع للمدينة داخل مبنى المركز التجاري العالمي.

وعليه، فإنه حال تكرار هجمات 11 سبتمبر جديدة، من الصعب القول بأن هذه المجموعة بمقدورها الحيلولة دون وقوعها. أما اوباما فإنه رغم خبرته المحدودة، فقد نادى على الأقل بأن تتحرك واشنطن بناءً على المعلومات الاستخباراتية التي تتلقاها بشأن الإرهابيين داخل باكستان حال عدم تحرك حكومة بيرويز مشرف، وهي الفكرة التي عارضها ماكين بشدة. ومن الممكن أن تتسبب سياسته السلبية نسبياً التي يطرحها حيال باكستان في أضرار بالغة له إذا ما وقعت هجمات 11 سبتمبر جديدة انطلاقاً من الحدود الباكستانية ـ الأفغانية.

وإذا ما وقع هجوم إرهابي جديد، فإن جهود معسكر ماكين لاستغلال المخاوف من تكرار هجمات 11 سبتمبر سرعان ما ستتحول إلى مادة للفكاهة والاستهزاء تماماً مثلما كان الحال مع الحملة الرئاسية لـ«جولياني»، ذلك أن الخوف الأكبر الذي يراود الأميركيين الآن هو أن يفقدوا وظائفهم ومنازلهم ومدخراتهم.

إلا أنه ليس بمقدورنا اللوم على القائمين على حملة ماكين لاستغلالها قضية الإرهاب كدعامة سياسية، نظراً لأن بطاقة الخوف الأخرى التي روج لها «روف»، وهي المثليون، أكثر تداعياً. ومن الواضح أن وقوف الحزب الجمهوري في مواجهة المثليين بات الآن سلاحاً ذا حدين.

في أعقاب قرار المحكمة العليا بكاليفورنيا المؤيد لزواج المثليين، ألمح إصدار «ويكلي ستاندرد» إلى أن التصدي لهذا القرار ربما يدفع لإجراء تصويت بشأنه على مستوى الولاية. من جانبه، تعهد «أرنولد شوارزينيجر»، الحاكم الجمهوري للولاية، بفرض القانون ومعارضة أي محاولة لإجراء تصويت عليه لإلغائه. بل إن «بيل أوريلي» شن هجوماً لاذعاً ضد أحد أنصار القيم الأسرية لإطلاقه حجج سياسية عقيمة ضد زواج المثليين.

أما ماكين فيحاول كسب رضاء الطرفين. وقد شعر المبجل «جون هاجي» المتشدد والذي كان أحد القوى المحركة وراء حملة مناهضة زواج المثليين داخل ولاية أوهايو عام 2004، بغضب شديد حيال ماكين دفعه للتصريح لصحيفة «لوس أنجليس تايمز» بالقول: «إنه لا يرغب في الارتباط بنا، ونحن نبادله الشعور».

بدلاً من ذلك، من الواضح أن ماكين يرغب في الارتباط بـ«إيلين ديجينيريس»، حيث قام بزيارتها للتعبير عن تهانيه بزفافها القادم في كاليفورنيا، بينما بدا مُجبراً على الاعتراف بمعارضته لزواج المثليين، ما يتفق معه اوباما. ومن الواضح أن الولايات المتحدة تشهد في الوقت الراهن ظهور جيل جديد مستقل من القادة والناخبين الإنجيليين الذين لا يهرعون وراء نظريات «روف» حول الترويج للخوف من الإرهاب والمثليين. ويبدو أن «روف»، من جانبه، أدرك هذه الحقيقة، ما دفعه لأن يعكف مؤخراً على اختراع بطاقة خوف جديدة لعام 2008، وهي الخوف من «الأوباميين».

وتحمل محاولات «روف» الأخيرة نبرة عنصرية واضحة. يذكر أنه في وقت سابق كتب يقول عن اوباما إنه «كسول أغلب الوقت»، ويصف حديثه في إحدى المناظرات بأنه «محض هراء»، وألمح إلى أنه ربما يتورط في مغامرات عاطفية خارج نطاق زواجه.

* خدمة «نيويورك تايمز»