تركيا

TT

العالم العربي يتأثر بقوى غير عربية وبشكل واضح، فإسرائيل تحتل بعض أراضيه وتعتدي وقت ما تشاء على البعض الآخر، وتشكل عقبة تاريخية أمام الاستقرار. وهناك الولايات المتحدة الأمريكية بثقلها الكبير وتدخلها الأكبر. وطبعا مؤخرا لا يمكن إغفال دور إيران وتدخلاتها «المبهرة» في شؤون أكثر من دولة مختلفة. والآن هناك دولة أخرى تدخل على الخط لتقوم بأدوار لافتة وفاعلة. والمقصود هنا تحديدا هو تركيا. فتركيا اليوم باستقرارها السياسي، وتألقها الاقتصادي باتت تمثل نموذجا «قريبا» للعرب ممكن الاستفادة منه ومن نتائجه. فاليوم تركيا تقوم برعاية مباحثات السلام بين سورية وإسرائيل، وقد تكون هذه المباحثات فعلا هي خط تحرير مزارع شبعا وهضبة الجولان بصورة حتمية بدون مزايدة وأجندات سياسية أخرى، وكذلك تقوم بحماية الخط الشمالي للعراق من التفكك والتشرذم والتمزق.

أعرف أن كلاما فيه الإشادة بالتجربة التركية الحديثة حتما سيغضب الأرمن والأكراد، ولكنها الحقيقة التي يجب أن تقال، مع العلم أن الأكراد يتطرفون الآن في قوميتهم بحيث بات لهم حق معاداة الكل عربا وأتراكا وغيرهم في سبيل حلم لوطنهم.

تركيا الأتاتوركية تعود للمنطقة بصورة مختلفة عن تلك التي خرجت منها تركيا العثمانية التي تألب عليها هواة الثورات القومية والتي أفرزت حركات دكتاتورية لاحقا تتاجر باسم العرب والعروبة، وكانت سببا في مصائب المنطقة، والتي لا يزال يتم دفع الثمن عن ذلك بشتى الصور. وعودة تركيا للمنطقة تأتي بقوة وإقناع ونجاح، فتألق الاقتصاد التركي قصة يجب أن تروى وبإعجاب، والاستقرار السياسي لتركيا تحقق بميزان دقيق ومحسوب لم يؤثر على الخليط الفريد الذي تتشكل منها «القماشة» الاجتماعية للمجتمع التركي. والخطاب الديني والوسطية الموجودة هناك من الممكن أن تستفيد منها الدول العربية بشكل فوري.

تركيا ذات يوم كانت «العدو» و«المستعمر» و«المحتل» وأقيمت ضدها حروب سفر برلك وغيرها، والآن تقدم لنا النموذج الناجح لما يمكن «عمله» بدلا من «الحديث عنه». بعيدا عن الانبهار بالمسلسلات التركية والحماس والتشجيع الذي كان مصاحبا لانتصارات المنتخب التركي لكرة القدم خلال مشاركته الأخيرة في كأس أوروبا أو متابعة حمى السياحة التركية، هناك عبر ودروس جادة ومهمة جدا ممكن أن يستفيد منها العالم العربي لو استطاع أن يتخلص من الحساسية تجاه العمل التركي القديم، ويتعامل مع التجربة التركية الحديثة بموضوعية وأمانة.

تركيا تجاوزت المنطقة «وعقدها».. وكل الأمل أن تراقب التجربة وتدرس بعناية فهناك أوجه كثيرة للاستفادة.

[email protected]