الحب الصارم لإسرائيل

TT

في زيارته لإسرائيل، قام باراك أوباما بالشعائر المعتادة من تقديم دعمه لسياسة إسرائيل. لكن ما تحتاج إليه إسرائيل من أميركا ليس المزيد من الحب، وإنما ما تحتاج إليه بالفعل هو الحب الذي يتسم بصرامة أكبر.

وفي الوقت الذي تدرس فيه إسرائيل القيام بشن ضربات جوية على مواقع إيران النووية، تتزايد الحاجة لأن تقول الولايات المتحدة لإسرائيل: «إن ذلك جنون». كما يجب على الولايات المتحدة أن تصر على تجميد إسرائيل لعمليات الاستيطان التام في الضفة الغربية والقدس الكبرى.

لا شك أن الجميع لا يشاركني هذا الرأي، كما أن المناقشات الخاصة بقضايا الشرق عادة ما تحتوي على حجج يقدمها كل جانب ليحاول بها إقناع الطرف الآخر. ولذلك، فإنني سوف أعرض الأمر بطريقة مختلفة.

بعد أن كتبت مقالتي في الشهر الماضي من الخليل في الضفة الغربية، جاء طوفان من الرسائل إلى المدونة الخاصة بي nytimes.com/ontheground وكانت هذه الرسائل تحتوي على حجج مضادة لما طرحته، والعديد من الحجج التي تحتاج إلى الرد عليها. وإليكم مقتطفات من حجج القراء المدافعين عن إسرائيل وسلوكها في الضفة الغربية:

لقد عاش اليهود في الخليل لنحو 1.800 عام بصورة متواصلة... حتى استأصل العرب شأفتهم عام 1929. واليهود اليوم في الخليل «المستوطنون» يحق لهم تملك هذه الأرض. ولذلك فإنني لا أرى سببا يدعونا إلى أن نقول إن وجودهم غير شرعي أو غير قانوني. (إيرفينغ)

نعم هذا صحيح. فاليهود لهم جذور عميقة في الخليل، مثلما للمسيحيين في القدس وبيت لحم، لكن هذه الجذور العميقة لا تعني حق العيش في هذه الأماكن أو حتى زيارتها. فإذا أرادت إسرائيل أن تمنع المسيحيين الأميركيين من زيارة القدس، فلن يكون هناك حق للولايات المتحدة بأن ترسل رجال وحدات المظلات في الجيش الأميركي وتؤسس مستوطنات هناك. وإذا أصرت إسرائيل على احتلال الضفة الغربية، فإن عليها أن تمنح حق المواطنة للفلسطينيين الذين يعيشون هناك حتى يمكنهم التصويت في الانتخابات مثلهم مثل المستوطنين.

وإليكم حجة أخرى:

هناك جانب جميل ومهذب يمثل المجتمع المتقدم علميا وفنيا. وهناك جانب آخر يرغب في إلقاء القنابل. لماذا لا يجب أن يكون هناك سور بين هذين الجانبين؟ (ميلواي)

نعم، فليبن السور إن أردت ذلك. ولكن ليبنى على حدود 1967 وليس على الأراضي الفلسطينية ـ لاسيما في تلك المناطق التي تفصل بين منازل المزارعين الفلسطينيين وأراضيهم.

ومن الحجج الأخرى:

على الرغم من أنني لا أؤيد العنف الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي، إلا أن ذلك العنف يتضاءل إذا ما قارنته بالانتحاريين الفلسطينيين، وصواريخهم وأعمالهم الإرهابية ضد إسرائيل اليوم. (جاي)

لقد أفادت مؤسسة بتسليم الإسرائيلية لحقوق الإنسان في تقاريرها، بأن عدد الأطفال الإسرائيليين الذين قتلوا بواسطة المهاجمين الفلسطينيين منذ الانتفاضة الثانية التي اندلعت عام 2000 يبلغ 123 طفلا إسرائيليا، مقارنة بنحو 951 طفلا فلسطينيا قتلتهم قوات الأمن الإسرائيلية.

وإليكم حجة ثالثة:

إن انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية دون وجود شريك سلام فلسطيني سوف يضع إسرائيل في الموقف نفسه الذي حدث بعد الانسحاب من غزة: طوفان من الصواريخ اليومية. نعم إن الحاجز الأمني يسبب صعوبات، لكن هجمات الإرهابيين قد كادت تختفي. ويعني ذلك أن أطفالي يمكنهم استقلال الحافلات والذهاب إلى المطاعم التي لا يوجد عليها حراس، وألا يخافوا من الوقوع ضحية التفجيرات أثناء ذهابهم إلى المدرسة. عليك أن تعثر على طريقة لتأمين أطفالي وسوف أكون سعيدة بهدم هذا الحاجز. (لورا)

هذه هي الحجة التي أجدها أصعب الحجج في الرد عليها. إن وجهة نظر لورا تبدو منطقية: فالحاجز الأمني ونقاط التفتيش قد عملت على خفض عدد الأعمال الإرهابية. لكن ذلك في الحقيقة يعني أن هذا الحاجز الأمني ونقاط التفتيش ـ والمستوطنون كذلك ـ قد عملوا على خفض احتمال الوصول إلى اتفاقية سلام طويلة الأمد، والتي تعني أفضل أمل لأطفال لورا.

وإذا كانت إسرائيل ترغب في وقف بناء المستوطنات، وخفض عدد نقاط التفتيش، والسماح للأفراد بحرية الانتقال والدخول في المفاوضات بشكل أكثر جدية مع سورية بخصوص مرتفعات الجولان ومع الدول العربية الأخرى بناء على مبادرة السلام العربية، فربما يسود السلام في هذه المنطقة.

وإذا لم يتم الوصول إلى حل الدولتين، فسوف يكون هناك حل دولة واحدة ـ وبناء على الاتجاهات الديموغرافية الحالية، فإن ذلك سوف يعني إما نهاية الديمقراطية الإسرائيلية أو نهاية فكرة الدولة اليهودية. ولا شك أن الصهاينة يزعجهم تماما أن يروا دولة فلسطينية.

ولورا محقة بشأن الحاجة إلى وجود شريك فلسطيني على أرض الواقع، كما أن فشل القيادة الفلسطينية قد أصبح متكررا. وفي الوقت الحاضر، فإنه على الرغم من أن إسرائيل لديها أكثر شريك فلسطيني عقلانية وهو الرئيس الفلسطيني محمود عباس ـ إلا أنها تقلل من شأنه بإقامة نقاط التفتيش وبناء المستوطنات الجديدة.

ولا شك أن عملية التوصل إلى سلام تحتوي على الكثير من المخاطر والمعضلات السياسية، وهي تشبه ما كانت تقوم به بريطانيا منذ عقود لإحلال السلام وإنهاء الإرهاب في ايرلندا الشمالية. لكن لندن لم تأمر مطلقا بشن غارات جوية على حزب الشين فين، كما أنها لم تأمر ببناء سور حول المناطق الكاثوليكية. وبمرور الزمن، استطاعت بكفاحها ومثابرتها تغيير الكثير من المواقف والأوضاع التي جعلت السلام أمرا ممكنا في نهاية المطاف.

وآمل أن يكون أوباما سواء كان مرشحا أو رئيسا، صادقا وصديقا مخلصا لإسرائيل، ليوضح لها كل ذلك بهدوء ولكن بحسم.

* خدمة «نيويورك تايمز»