باراك أوباما كحدث تاريخي

TT

لا أعرف لماذا لم يتوقف الصحافيون والمثقفون العرب كثيرا عند اوباما كظاهرة او كحدث تاريخي غير مسبوق. فالرجل كان يعاني من عقدتين كبيرتين استطاع ان يتجاوزهما ويصبح قاب قوسين او ادنى من الرئاسة الاميركية. العقبة الاولى هي كونه رجلا اسود اللون. والثانية التي لا تقل خطرا او خطورة هي ان والده مسلم من اصل كيني ويدعى باراك او مبارك حسين أوباما. عقدة واحدة منهما كانت كافية لسد الطريق أمامه منذ البداية ومنعه من الوصول حتى الى الدور الثاني والتغلب على امرأة شقراء بيضاء تنتمي الى اغلبية الشعب الاميركي من الاسياد البروتستانتيين.

بالأمس دعتني القناة الرابعة والعشرون، القسم العربي في التلفزيون الفرنسي للتحدث عن هذا الموضوع. وقلت للاستاذ توفيق مجيد مدير البرنامج بأن ظاهرة اوباما لا يمكن عزلها عن التطورات الايجابية التي طرأت على الشعب الاميركي نفسه في السنوات الاخيرة. لا ريب في ان السيناتور اوباما ككل الخارجين من اعماق النبذ او الاحتقار التاريخي، يمتلك ميزات شخصية مهمة مكنته من الوصول الى ما وصل اليه الآن من مكانة عالية ومرموقة.

ولا ريب في ان كلمة الفيلسوف الالماني فريدريك نيتشه التي يقول فيها: وحدها الشخصيات الاستثنائية تخترق الظروف، تنطبق عليه تماما. ولكن لا ينبغي ان ننسى اريحية الشعب الاميركي وديناميكيته وتسامحه وتخلصه الى حد كبير من الافكار العنصرية والطائفية.

اقول ذلك وأنا اتذكر ما قاله كولين باول قبل بضع سنوات لاحدى الجرائد. فقد دخل مرة مع بعض اعضاء المخابرات الى مطعم فاخر في واشنطن ليلا وبشكل متأخر. وقد رفض صاحب المطعم ان يخدمهم لانهم كانوا كلهم سودا! بالطبع لم يكن يعرف هويتهم ولا مرتبتهم العالية في اجهزة الدولة او المخابرات.. ومعلوم ان السود كانوا حتى الستينات أو السبعينات يمنعون من ركوب الباصات في مدن معينة أو احياء معينة أو قل كانت تكرس لهم مقاعد خاصة بهم لكيلا يزعجوا السادة البيض برائحتهم.. ومعلوم ان الدول الجنوبية في الولايات المتحدة وهي الأكثر محافظة وعنصرية كانت ترفض استقبالهم في الأماكن العامة أو بعضها على الأقل.

وبالتالي فقد طرأت تطورات ايجابية عديدة على المجتمع الأميركي بفضل نضال مارتن لوثر كنغ والتيارات الليبرالية والديمقراطية لكي يتاح للسيناتور أوباما أن يصل الى هذه المرتبة العالية. فلم يعد يصدم أغلبية الشعب الأميركي كما كان يحصل سابقا. وكل ذلك بفضل طرح موضوع العنصرية على الملأ ومناقشته على صفحات الجرائد والمجلات والتلفزيون والراديو لا كبته ولا قمعه كما نفعل نحن عموما فيما يخص موضوع الطائفية أو المذهبية المتفشية حاليا عندنا. وهذا أكبر دليل على ان الصراحة او المصارحة هي التي تؤدي الى حل المشكلة التي تؤرق المجتمع وتهدد وحدته الوطنية، وذلك على عكس ما يظن الناس. فالكثيرون يعتقدون بأنه لا ينبغي فتح هذه الملفات الساخنة أو التحدث عنها علنا لكيلا تشتعل المشاكل الطائفية والعنصرية. ولكن العكس هو الصحيح. فقد أثبتت التجربة اننا اذا لم نتحدث عنها فإنها تتفاقم وتستفحل أكثر حتى لتصبح ضخمة وتهدد وحدة المجتمع ككل بالانفجار. وبالتالي تحدثوا ايها السادة عن الطائفية وحللوها وشرحوها وخوضوا في غمارها، فهذه هي الطريقة الوحيدة لتحجيمها واتقاء شرها والقضاء عليها يوما ما.

لكي نفهم ظاهرة أوباما على حقيقتها أو لكي نقدرها حق قدرها ينبغي ان نقارنها بما يحصل في العالم العربي أو الاسلامي. هل يمكن ان نتخيل رئيسا سنيا لايران مثلا؟ مستحيل. هذا شيء يدخل في دائرة اللامفكَّر فيه أو المستحيل التفكير فيه بالنسبة للشعب الايراني. وقل الأمر ذاته عن مصر. هل يمكن ان نتخيل رئيسا قبطيا في المدى المنظور أو حتى رئيس وزراء؟ مستحيل ايضا. وبالتالي فلنكف عن شتم الاميركان والشعب الاميركي وبقية الشعوب الغربية فهي اكثر تقدما منا وانفتاحا وتطورا وتسامحا. ولنكنّس أمام بيتنا أولا قبل ان نتهم الآخرين او نعيرهم بنواقصهم وخلفياتهم العنصرية والتمييز الذي يمارسونه ضدنا.. فنحن أولى بهذه الاتهامات عموما للأسف الشديد.