فانتازيا اسمها مهند

TT

هذه الحكاية عمرها عشر سنوات وأكثر. تذكرتها اليوم حين حمل إليّ البريد الالكتروني نسخة من مقال لكاتب عربي كتب مستنكرا ما يجري في البيوت العربية من جراء المسلسل التركي المدبلج «نور». يقول الكاتب إنه بسبب مسلسل درامي هدمت بيوت على رؤوس أصحابها وانتشر الهوس وتربعت الحماقة واستفحل الجنون. فهذه زوجة محترمة تضع صورة بطل المسلسل «مهند»، على شاشة الجوال، فيثور الزوج ويثأر لكرامته بطلاقها. وتلك أخرى تستعطف قرينها أن يطل على الدنيا بطلة معدلة عند الكوافير بحيث يشقّر شعره مثل «مهند»، فيتحقق الحلم وتزداد حلاوة الحب، فلا يسع القرين إلا أن يقول سمعا وطاعة، وبعد زيارة الكوافير عاد لكي يرى ردة فعل قرينته التي تنهدت قائلة: «موش بطال»، فإذا بقرينها الغضنفر يقول: «اشبعي بمهند.. أنت طالق».

أولا وقبل أن أروي طرفتي، أقول إني أعجب من زوج يطلق زوجته وقد نسي قول الشاعر «إذا كان ربّ البيت بالدف ضارباً، فشيمة أهل البيت كلهم الرقص».. فكم هي المرات التي يتحسر فيها الأزواج على الحظ «الهباب» الذي حرمهم من نانسي وروبي وهيفاء ونوال!، وكم من زوجة تبكي لأن زوجها يسجن نفسه مع الكومبيوتر لكي يرى ويسمع ما لا يجوز؟!، يكفي أن نقول إن الطيبين للطيبات والخبيثين للخبيثات، وان الزواج نعمة من نِعم الله على الناس ومن صان النعمة صانته ومن استخف بها فارقته. وقبل أن ننادي بإصدار فرَمان بوقف فانتازيا المسلسلات، يجب أن نتساءل: أين الحكمة والموعظة الحسنة؟

قبل عشر سنوات كنت رئيسة لفريق عمل من الجنس الخشن، كنا نعمل في صالة مفتوحة إلا من غرفة مستقلة خصصت لي. وكنت لاحظت أن كل زميل خصص على الحائط المجاور لمكتبه وجهاز الكومبيوتر الخاص به مساحة تشغلها صورة حسناء شقراء فاتنة، وقبل أن أقول استحوا يا إخوان فهذا مكان عمل وليس مكانا للبحلقة في صور النسوان، قررت أن مكانتي كرئيسة مكرّمة لا تحتمل ان اصدر فرمانا بإزالة الصور، خفت ان يعتبر القرار دليلا على ديكتاتورية النساء في المناصب الرئاسية، وخفت أن يعتبر قراري غيرة امرأة ودعت الشباب من نساء في عز الشباب، ثم اهتديت الى حل.

ذهبت الى عملي مسلحة بصور لنجوم هوليوود والقاهرة وبيروت، علقت الصور وانتظرت، وكم استمتعت بمراقبة الوجوه، رأيت الدهشة أولا، ثم الامتعاض يزحف على قسمات الوجوه. انتصف النهار من دون تعليق، ثم اتفق ثلاثة زملاء على الكلام معي، ولم يستغرق الأمر أكثر من دقائق حين أشار أحدهم الى صورة كيفن كوستنر وسألني: مين ده يا أستاذة؟، فتطلعت إليه، وقبل أن تسعفني البديهة برد، تدخل آخر خوفا من ان يتطور الحديث في اتجاه غير مضمون العواقب، فقال: نقصد ان هذه الصور لا تليق بمكتبك، وان لدينا في الأرشيف رسوما جميلة لفنانين كبار يمكن ان توظفيها لتجميل مكتبك إن شئت. اعتدلت في جلستي وقلت له: «صدقت، ما رأيك في ان تتصل بالأرشيف لكي نحصل كلنا على أعمال فنية نزيّن بها الجدران بدلا من صور النجوم في المجلات؟!».

من حُسن حظي ان نجحت خطتي بنسبة 80% على الأقل، من دون فرمانات ولا تبادل اتهامات ولا ديكتاتورية رجال ولا عنجهية نساء.