المعتدي في الفتنة الفلسطينية

TT

«رصاصات لم تهدد حماس بإطلاقها على إسرائيل كالمعتاد، وإنما هددت بإطلاقها هذه المرة على فلسطينيين»، مقدمة مرة مرارة العلقم، استهلت بها مراسلة تلفزيون البي بي سي وهي تعد تقريرا عن أحداث الفتنة الفلسطينية الأخيرة، وبالتحديد تهديد قادة حماس للثأر من مجموعات فلسطينية تقول حماس إنها تتبع للسلطة الفلسطينية وتحملها مسؤولية التفجيرات الأخيرة، التي طالت هذه الأيام عددا من كوادر حماس في غزة ومعهم بعض الأبرياء.

ليس أثقل على القلم من أن يكتب عن فتنة داخلية خاصة بين الفلسطينيين، لأن تمحيص الحقائق في أوقات الفتن «أحيانا» مثل الذي يبحث عن دبوس في كومة قش، والاتهامات حين تصدر من متنافسين بينهم إحن ومحن وثارات وصراعات تختلط فيها الحقائق، وتشتبك فيها المصالح الحزبية مع الوقائع على الأرض، وأنا هنا لست أحلل هذه الأحداث الأخيرة ولست معنيا بتوجيه أصابع الاتهام لأحد، بقدر ما يعنيني هذا النزيف الذي يجري بين حركتين لهما ماضيهما النضالي المشرف.

الواضح في هذه الفتنة الفلسطينية الفلسطينية أن إسرائيل تفغر فاها ضحكا وشماتة من هذا الواقع الأليم، فالفلسطينيون لو لم يأتهم من المصائب إلا هذا الحصار المجرم على قطاع غزة لكفى، خاصة أنه قد أوصل خط الفقر والبطالة والمعاناة في القطاع إلى حدود قياسية، كما تقول الإحصاءات العالمية، ثم بعد ذلك تتكسر النصال الفلسطينية على الجسد المثخن أصلا بالنصال الإسرائيلية.

شيء ما دهانا نحن معشر العرب، فكل البشر توحدهم المصائب وتجمع كلمتهم المحن، وتلم شعثهم عوادي الزمن إلا نحن العرب، فالأمريكيون لم يسجل مؤشر الوحدة ارتفاعا بين كل فئات المجتمع الأمريكي وأحزابه واتجاهاته وأعراقه ومذاهبه مثلما سجله مؤشر الوحدة بعيد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر، والنتائج الدموية للحرب العالمية الثانية جعلت الأوربيين يحققون وحدة اقتصادية وسياسية، على الرغم من اختلافاتهم العرقية والدينية والسياسية، واليابانيون أفاقوا من مصيبة نجازاكي وهيروشيما ليتحدوا ويكونوا أشرس خصم اقتصادي للعالم الغربي، إلا نحن العرب، قارنوا بين ألمانيا بعد مصيبة هتلر الطاغية والعراق بعد صدام الديكتاتور، في ألمانيا توحد الألمان بعد سقوط هتلر ليستغلوا تكبيل الحلفاء لهم بعدم التسلح العسكري ويبنوا اقتصادا مزدهرا، والعراق الذي كان مثل القدر الذي يفوح من الغليان في زمن صدام انفجر أحقادا مذهبية ونزاعات سياسية أكلت أخضر العراق ويابسه.

فتش عن أسباب الفتنة الفلسطينية تجد منها رهن القضية الفلسطينية لأطراف خارجية لها أجندتها وحساباتها السياسية المعقدة، كل الأمم لديها أحزاب وتوجهات أيدلوجية ومنافسات سياسية وانتماءات دينية ومذهبية معقدة، لكنها لم توصلها إلى الصراع الدموي والتصفيات البينية، كما هو حاصل هذه الأيام على الساحة الفلسطينية، والساحة اللبنانية وآخرها الصراع المحتدم هذه الأيام في طرابلس اللبنانية، وأخيرا الاقتتال العراقي العراقي، ستجد أن الارتهان في كل هذه الصراعات للنفوذ الخارجي، هو الوقود الذي يغذي نار الفتنة ويؤجج لهيبها بين الأشقاء، فالمعتدي من الفصائل الفلسطينية المتصارعة هو من يغلب حسابات سياسية خارجية آنية على المصلحة الفلسطينية العليا.

العرب بمن فيهم الفلسطينيون، يحتاجون إلى عملية جراحية معقدة تفصل لحم العرب عن عصب النفوذ الخارجي، مع إدراكنا صعوبة وآلام فصل العصب عن اللحم كما يقول الجراحون.

[email protected]