عصر النشاط المقبل

TT

إننا ندخل إلى عصر التشريع الملحمي. فهناك خمس مشكلات على الأقل تدعو الحكومة الفيدرالية للتصرف بشكل عاجل خلال السنوات القليلة المقبلة.

وأول هذه المشكلات: انخفاض مستوى التقارب الاجتماعي. فشركات القطاع الخاص لم تعد تقدم مزايا العلاج، مما يدعو بشكل عاجل إلى ضرورة العمل على الإصلاح في مجال الرعاية الصحية. وثانيا: هناك نقص في موارد الطاقة. فالطلب المتزايد من قبل الدول الآسيوية عمل على نقص الإمدادات العالمية، مما يهدد الصناعات والمستهلكين على حد سواء. وفي القرن العشرين، كان الأميركيون يتعلمون بطريقة أفضل من الطريقة التي يتعلم بها مواطنو أي دولة أخرى. لكن هذا السبق ضعف منذ سبعينات القرن الماضي، مما نتج عنه عدم المساواة في الأجور.

ورابع هذه المشكلات: أن هناك إعادة تشكيل مالي للسوق. ففي عالمنا المعقد، نجد أنه حتى الإدارات الجمهورية لا تستطيع السماح للمؤسسات الكبرى بالفشل. فإذا كانت الحكومة سوف تضمن عدم الفشل، فإنها لا شك سوف تتدخل في سن التشريعات التي تحكم إدارة الأعمال.

وخامس هذه المشكلات: أن هناك إعادة تشكيل للبنى التحتية. فنظام المواصلات يحتاج إلى المزيد من المشروعات الجديدة.

وكل ذلك يعني أن السنوات القليلة المقبلة سوف تكون عصرا يشهد المزيد من النشاط الحكومي. وربما يعتقد البعض أن ذلك سوف يسهم في سيطرة الديمقراطيين خلال هذا العصر. فالديمقراطيون معروفون بأنهم يمثلون الحزب الذي يتميز بالنشاط الحكومي. فالناخبون يفضلون التوجهات الديمقراطية في مجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم بنسبة تصل إلى 25 في المائة.

لكن التاريخ يثبت أن فترات التغيرات الكبرى التي كانت تقوم بها الحكومات، كانت دائما فترات حكم المحافظين. ويبدو أن الناخبين يشعرون بأنهم في حاجة إلى تغييرات كبرى، لكنهم يرغبون في أن تكون هذه التغييرات مخططة ومقننة من قبل القادة الذين يمهدون طريق التغيير ويمنعون التجاوزات العرقية.

ومن أبرز المصلحين المحافظين: بنيامين ديزرائيلي وتيودور روزفلت. فكلاهما قام بإعادة صياغة الجدل السياسي، بحيث لا يكون التغيير مضادا لمعنى الوضع الراهن، بل كان التغيير مضادا للتغيير الوطني الحذر الذي يتم تصميمه من أجل الحفاظ على هوية الأمة.

وقد ورث ديزرائيلي حزب المحافظين البريطاني وقد كان أشبه بناد سياسي لطبقة أصحاب الأراضي. وقد أسس لتوجه وطني محافظة يرعى مصالح أمة واحدة، وعمل على تذكير الجميع بأن بريطانيا أمة واحدة، يتحمل فيها الجميع مسؤولياته بغض النظر عن طبقته الاجتماعية. وفي أوجه عمله، تبنى الإصلاح، وعمل على توسيع الملكية للطبقة العاملة.

وقد كان ديزرائيلي يرى أن هذا التغيير وسيلة لاستعادة المجد القديم. أو كما قال: «في البلد المتقدم، يكون التغيير ثابتا، ولا يكون السؤال الكبير هو ما إذا كان علنا مقاومة التغيير أم لا، حيث أن التغيير أمر لا مفر منه. لكن السؤال هو ما إذا كان هذا التغيير يتم بصورة مراعية للسلوك والعادات والقوانين والتقاليد أم أنه يراعي مبادئ نظرية ومصالح طبقات بعينها».

ومثل ديزرائيلي، كان روزفلت وطنيا رومانسيا. وعلى الرغم من أن معظم الإصلاحات كانت تعكس لغة الحداثة المعاصرة، إلا أن روزفلت كان يؤمن بالروح الوطنية الأميركية المسؤولة.

وكان يعتقد أن الملكية الخاصة هي أساس العظمة الأميركية. وكان يهتم بالرموز الأميركية التقليدية، مثل: رعاة البقر والمحاربين والرواد.

كما كان يدافع عن مبادراته كوسيلة للحفاظ على النظام الاقتصادي والاجتماعي. وكان الأفراد يشعرون بتغيير كبير في حياتهم، وكانوا يطمحون إلى حكومة تحفظ عليهم ما حققوه من إنجازات. وكان يتبنى معادلة مثل تلك التي كانت يتبناها ديزرائيلي، وهي أن الإبداع السياسي وسيلة للحفاظ على تقليد الأمة وأخلاقها. وكانت لديه صورة عن البطل الأميركي. فهو في نظره كريم ويهتم بالعمل ونشيط وصالح. وقد كتب روزفلت: «إن الدور الحقيقي للدولة وهي تتدخل في الحياة الاجتماعية أن تمنح المزيد من الفرص للمنافسة، وألا تمنع مثل هذه الفرص».

ويكمن التحدي الذي يواجه جون ماكين في إعادة إحياء مثل هذا النموذج. وربما لن يحصل على التشجيع الذي يحصل عليه باراك أوباما، لكن عائلته جسدت البطولة الأميركية على مدى قرن من الزمان. وهو لن يبدو شابا مثل غريمه، لكنه يمتلك القيم الخاصة به والتي شكلت عصرا ينظر إليه الشعب الآن بكثير من الاحترام.

وتكمن قوة حملته حتى الآن في سياسته بشأن الطاقة، حيث تتميز بأنها شاملة وشجاعة، على الرغم من أنها لا تحاول إرجاعنا إلى عصر قيادة الدراجات. كما أنها لا تصور اعتماد الاقتصاد الأميركي على الطاقة بأنه ذنب لا يغتفر. وإذا كان ماكين سيفوز في هذه الانتخابات، فإن ذلك سوف يكون راجعا إلى أنه يمكنه إظهار حقيقة جوهرية، ألا وهي أن شعوب الدول الكبرى والناجحة لا ترغب في التغيير لمجرد التغيير. لكن هذه الشعوب تدرك أنه من خلال الإصلاح الحذر فقط يمكن الحفاظ على ما يحققه الشعب وما حققته الأجيال السابقة.

* خدمة «نيويورك تايمز»