دستور يا عمل!

TT

تسعى الدول العربية عموما لتحرير اقتصادياتها وفتح أسواقها لتكون جديرة بمناخ رأسمالي عادل يتيح المجال للنمو الاقتصادي والعوائد المناسبة المصاحبة له. وقد نجحت أكثر من دولة في تحرير العديد من الأنظمة والتشريعات التي كانت تشكل عقبة وعائقا أمام المستثمر مهما كان نوعه، ومع هذا المناخ المتفائل والمتحسن تبقى هناك مشكلة أنظمة العمل «المتشددة»، التي تقف في صف العامل على حساب صاحب المنشأة أو الإدارة الحكومية، بشكل فيه مظلمة في الكثير من الأحيان بحق رب العمل. من غير المعقول أن الشرع والقانون يسمح للزوج بأن يطلق زوجته بشكل مبسط، ولكن لا يسمح أبدا بفصل الموظفين. وعليه يبدو أن دور وزراء العمل بات كمن يطلب المستحيل، فهناك فرق بين المطالب بتوظيف الكوادر الوطنية (وهي مسألة لا خلاف فيها ومطلب أخلاقي مهم) وبين وضع العراقيل أمام المؤسسات التي هي مطالبة بالقيام بذلك. آلان غرينسبان رئيس البنك الفيدرالي المركزي الأمريكي الأسبق، والاقتصادي المهم، له مقولة بالغة الأهمية «سر تفوق الاقتصاد الأمريكي هو قدرته على فصل الموظفين»، والمقصود هناك هو قدرة الشركات والمؤسسات على تجديد الدماء وتحسين الأداء بأفكار جديدة عبر «حجامة» للجسد الاقتصادي تحقق الفائدة والمطلوب. كثيرون من رجال الأعمال يعتبرون أن سياسات وزارات العمل هي أشبه «بالعمل» السفلي الذي «يربط» على الشركات فيعيق تقدمها وتطورها. ومن الظلم البين تحميل القطاع الخاص مشكلة البطالة والتوظيف، في ظل وجود قصور شديد في تأدية الوظيفة الاقتصادية لقطاعات أخرى فاعلة ومؤثرة. فلا يمكن استمرار الأجور بالوضع الذي هي عليه حاليا من دون اللجوء إلى سياسة واضحة الملاءمة فعالة التأثير في ما يخص الحدود الدنيا للأجور واستمرارها بالغموض الذي هي عليه الآن. ولا يمكن التشديد في سياسة توطين الوظائف في ظل الاستمرار بسياسة «أقل الأسعار»، في ما يتعلق بالمناقصات الكبرى التي تعتمد سياسة أرخص الأجور وبمعدلات لا يمكن أن يقبل بها مواطنو البلاد، مما يتطلب إعادة نظر فورية وجادة لهذه الأنواع من السياسات.

وما ينطبق على القطاع الخاص ينطبق أيضا على القطاع العام ودوائره، فمع تغيير الوزراء والمحافظين والأمناء وغيرهم تكون هناك توقعات ايجابية لصالح الشخصيات الجديدة، إلا أنها سرعان ما تصطدم بواقع مرير، وهو أن هذه الشخصيات لا تستطيع «الخلاص» من الأشخاص السيئي الأداء وبالتالي لا يحدث تغيير حقيقي في مناخ العمل، ويكون بالتالي الواقع الحزين سيد الموقف. سياسة العمل والتوظيف بحاجة لإعادة نظر جادة لأن الاستمرار في ما هو حاصل للآن سيكون عنصرا أساسيا في هجرة الأموال والتأثير على المناخ السوي للأعمال، وسيقلل حتما من القدرة التنافسية للمجتمعات العربية، وكل ما تم طرحه من اقتراحات لا يتنافى مع سياسات وأخلاقيات العمل، بل هو عنصر عدل ومساواة وتحقيق لمبدأ لا ضرر ولا ضرار. وبغير ذلك ستستمر سمعة وزارات «العمل» بأنها «شعوذة» طاردة لروح المستثمر الطموح.