«الكوندومنيوم» الآتي الى لبنان

TT

في الشرق الأوسط حالة انتظار محيّرة لما بعد عهد الرئيس الأميركي جورج بوش.

"المنتظرون " كثر وعلى رأسهم: طهران التي ترى في نهاية ولاية بوش رفعا ولو نسبيا للضغوط الدولية على برنامجها النووي، ودمشق التي ترى فيها فرصة منتظرة لنقل مفاوضاتها مع إسرائيل إلى مرحلة التفاوض المباشر، وتل أبيب التي تتطلع الى التملص من وعد «الدولتين» (الفلسطسينية والاسرائيلية) المتعايشتين جنبا الى جنب... وبيروت التي تضمر آمالا بعودة «المرونة الدبلوماسية» في علاقة واشنطن بدمشق بحيث تنعكس إيجابا على وضع لبنان الداخلي.

نهاية عصر بوش قد يكون منعطفا محتملا في دبلوماسية واشنطن الشرق أوسطية. ولكن محصلة حسابات مرحلة ما بعد بوش تظل منقوصة ما لم تأخذ في الحسبان عاملين رئيسيين:

* مصالح "المؤسسة الاميركية"- وفي مقدمتها الحملة على «الارهاب» كائنا من كان في البيت الابيض.

*الإطار المستجد على الدبلوماسية الغربية في المنطقة،أي إطار منظومة «الاتحاد من أجل المتوسط».

إذا كانت عواصم الشرق الاوسط متلهفة على عصر «ما بعد بوش» فإن العاصمة الأكثر تخطيطا له هي العاصمة «المتوسطية»الجديدة: باريس... خصوصا انها وضعت القاعدة الاوروبية المناسبة لتأطير الدورالأميركي في المنطقة، أي منظومة «الاتحاد من أجل المتوسط»

من الانصاف أن يسجل للرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، توصله في زيارته الناجحة الى واشنطن إلى احتواء الشكوك الأميركية السابقة حيال دبلوماسيته «الحوارية» تجاه إيران وسورية ولبنان(وزير خارجيته، برنار كوشنير، اعترف بأن باريس وواشنطن «لم تكونا على الخط نفسه» في ما خص التطبيع مع سورية، ومع ذلك «هنأت» الإدارة الأميركية فرنسا على نجاح إعلان قيام الاتحاد المتوسطي).

ولكن هل تقف طموحات الرئيس الفرنسي عند لعب دور «الكومبارس» في العلاقة الاوروبية – الاميركية حيال الشرق الاوسط أم تتخطاها الى إعادة إحياء «الحضور الفرنسي» في حوض البحر المتوسط وخصوصا في الدول التي كانت تحت الانتداب أو الحكم الفرنسي المباشر؟

من المبكر الحديث عن دور شرق أوسطي واضح ومؤثر لمنظومة «الاتحاد من أجل المتوسط». ولكن هذا المشروع الفرنسي، المنسق مع واشنطن، يصعب عزله عن استراتيجية الغربين، الأوروبي والأميركي، في مواجهة احتمالات ارتفاع حرارة «صراع الحضارات» بين شمال البحر المتوسط وجنوبه وما قد يخلفه من تداعيات تجارية واقتصادية .

على هذا الصعيد يأخذ موقع فرنسا الجغرافي – السياسي دوره المميز، فإذا كان ساركوزي حظي بموافقة واشنطن على أن يجرب مقاربة هذا الصراع بسياسة «الاحتواء» عوض المواجهة، فلأن فرنسا، بحكم واقعها كدولة أوروبية متوسطية، هي خط تماس هذا الصراع... والدولة المتوسطية الأوسع تجربة مع شعوب أفريقيا الشمالية والشرق الأوسط ـ وخصوصا سورية ولبنان.

"براغماتيكية" الدبلوماسية الأميركية - التي طالما عرّضتها لتهمة التخلي عن حلفائها بسهولة ـ قد تكون عاملا مساعداعلى ازدياد اتكال واشنطن على دور فرنسي أكثر تأثيرا في حوض البحر المتوسط . وهذه "البراغمتيكية" تجلت في الآونة الاخيرة، في عدم ممانعة واشنطن في منح ساركوزي فرصة اثبات جدوى الانفتاح على سورية رغم انها لم تكن مرتاحة لهذا الانفتاح « المتسرع». وكذلك الامر بالنسبة للملف النووي الإيراني، أظهرت الدبلوماسية الاميركية«براغماتيكيتها» في قبولها الالتحاق بالموقف الأوروبي والصيني والروسي منه علّ ذلك يعطي نتائج ايجابية.

حرص الإدارة الأميركية على التأكيد بأن لا خلاف في الجوهر مع الرئيس ساركوزي حيال سورية ولبنان، لا يعني أن «التنحي» الأميركي عن لعب دور مباشر في المنطقة بلغ حد منح فرنسا وكالة مفتوحة في لبنان كالوكالة التي أعطتها لسورية في السبعينات. ولكن تمتع فرنسا بالأفضلية في التعامل الغربي مع سورية ولبنان لن يمر دون مكاسب فرنسية خاصة في الدولتين معا. وإذا كان من المرجح أن تركز العلاقة الفرنسية بسورية على جني مكاسب اقتصادية (كعودة شركة توتال الى سورية وشراء شركة الطيران السورية لطائرات «إيرباص» مقابل رفع فرنسا الحظر على انتساب سورية الى معاهدة الشراكة الأوروبية المجمدة منذ اغتيال رفيق الحريري)، فقد يفرز توثق هذه العلاقة «كوندومنيوم نفوذ» فرنسي ـ سوري في لبنان يفرض هدنة بين «14 آذار» و«حزب الله»... ربما إلى أن تتضح معالم دبلوماسية «ما بعد بوش» في واشنطن.