الغزل السوري الإسرائيلي

TT

عندما قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يفاوض قالها مباشرة ولم يركب الطريق الوعر الذي تسلكه الدبلوماسية الدمشقيه حاليا. لم يلتق بمنظمة الآيباك التي تتولى الدفاع عن المصالح الاسرائيلية في واشنطن، ولم يضطر للوقوف في الشمس الحارقة على أمل ان يقابله احد من موظفي الخارجية، اتخذ قراره واعلنه صراحة وبدأ مفاوضاته.

سورية اكبر وأهم، وستجد من الاهتمام أكثر مما حصلت عليه الرئاسة الفلسطينية لو كانت صريحة في مشروعها بدل الدوران الذي يشكك في جدية عروضها ونواياها ايضا. ما نراه حالة غزل من جانب سورية. فالسفير السوري يحاضر عن رغبة بلاده في انهاء حالة الحرب مع اسرائيل، في لقاء مع جماعة السلام الآن. وموفدون سوريون يزورون اللوبي الاسرائيلي في واشنطن، وتصريحات ايجابية متكررة من مسؤولين سوريين في كل مؤتمر ولقاء اجنبي. كل هذه لم، ولن، تعطي المسؤولين السوريين الكثير لأنها تبدو مشروع غزل اكثر من كونها زواجا جادا، في حين بإمكان سورية ان تفعل أقل وتأخذ أكثر عندما تصبح العلاقة شرعية وشفافة.

حتى المفاوضات السورية الاسرائيلية مليئة بنفس العيوب، فهي غير مباشرة وتحت مظلة تركيا الدولة غير المؤثرة، ما يجعلها غير جادة، مع العلم بان سورية سبق ان اجرت مفاوضات مباشرة في الماضي، وبالتالي لا تستطيع ان تدعي العذرية.

ان كانت دمشق جادة في تغيير سياستها فمن الأهون عليها ان تقول ذلك، وتطلب التفاعل معها. وان كانت جادة في الخروج من الدائرة الايرانية فعليها ايضا ان تثبت انها جادة. أما إن كانت تريد الاحتفاظ بعلاقتين في آن واحد، إيرانية وإسرائيلية، فمن الأسهل عليها ان تكون واضحة حتى لا تجد نفسها تعود الى المربع الأول محاصرة وملاحقة. وإن كانت لا تريد السلام ولا التخلي عن ايران، وهدفها فقط الخروج من أزمة المحكمة، فان كل ما تفعله سيكلفها اكثر مما ستجنيه.

صحيح ان الخطوات السورية اصبحت واضحة أكثر إنما نواياها لا تزال مجهولة، وهنا تكمن المشكلة. فسورية بدأت بتوسيط اصدقاء لها في الولايات المتحدة، ثم اشركت الاتراك لفتح طريق المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل، ووضعت اتفاق الدوحة، وسمحت بانتخاب رئيس الجمهورية ثم رئاسة الحكومة، وقبلت الجلوس مع رئيس الوزراء الاسرائيلي في المؤتمر المتوسطي بوساطة الرئيس الفرنسي، وساندت التهدئة في غزة مع حماس، اكملت سلسلة اجراءات ايجابية في لبنان اوصلت الى تبادل الاسرى بين حزب الله واسرائيل وربما سفارة في بيروت، ثم انتقلت من باريس الى تنفيذ حملة علاقات عامة في واشنطن مع اليهود الاميركيين وجماعات السلام. وصار واضحا ان المستهدف أخيرا البيت الابيض.

كلها خطوات سياسية مثيرة وشجاعة، لما فيها من خروج على الخط السوري، وهذا ما يدفعنا للتساؤل، لماذا لا تكون دمشق اكثر وضوحا، ان كانت تريد السلام والهروب من حضن ايران؟ فما نراه يبدو مجرد حملة علاقات عامة لا تكفي لإلغاء قرارات مجلس الامن، ولن توقف المحكمة، ولن تحمي سورية من تقلبات المنطقة ومخاطرها.

[email protected]