أوبامنيا

TT

لا يمكن ان تخطئ العين مدى الحماس الموجود في القارة الاوروبية العجوز للمرشح الديمقراطي الشاب للرئاسة الأميركية باراك اوباما خاصة بين الأجيال الشابة، فالرجل استقبل في الدول الاوروبية التي زارها ضمن جولته الاخيرة التي شملت ايضا الشرق الأوسط استقبال رؤساء الدول من قبل الزعماء الى الدرجة التي اضطرته الى تذكير الصحافيين الفرنسيين خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مع ساركوزي في باريس الى انه لم يصبح رئيسا بعد.

والأهم من الاستقبالات الرسمية كانت الحشود التي جاءت تستمع اليه في المانيا بمئات الألوف في استقبال اشبه بحفلات نجوم الموسيقى والفن، وهو كما يبدو يملك كاريزما النجوم القادرين على إثارة حماس جمهورهم فوق خشبة المسرح.

هناك هوس بأوباما بين قطاعات كثيرة خارج اميركا خاصة في اوروبا او ما سموه اوبامنيا. لكن الاوربيين في النهاية لن يصوتوا في انتخابات الرئاسة الاميركية الباقي عليها مائة يوم. واستطلاعات الرأي داخل الولايات المتحدة لازالت تشير رغم كل شيء الى ان الفارق بينه وبين منافسه الجمهوري ماكين ليس كبيرا، بينما الكثير يمكن ان يحدث من الآن وحتى المؤتمرات العامة للحزبين واشتداد سخونة الحملتين الانتخابية بكل ما يمكن ان تشهده من ألعاب السياسة والقصص التي تمس أدق الامور الشخصية.

ومثل كل انتخابات رئاسة أميركية فانها تثير اهتمام العالم من شرقه الى غربه؛ أولا بحكم التداخل السياسي والاقتصادي لأميركا وتأثيرها على شؤون العالم وسياساته. لكن هده المرة فان الاهتمام بها فاق أي مرة سابقة، والسبب هو أوباما.

وقد كانت معركته للفوز بترشيح حزبه في وجه منافسة قوية للغاية هي هيلاري كلينتون، خاصة انه في بداية الحملة كان هناك شبه اعتقاد اكيد بأنها هي التي ستفوز بالترشيح، لكن حدث العكس.

لقد جعل أوباما دورة انتخابات الرئاسة الاميركية الحالية الاكثر شعبية ومتابعة في العالم اكثر من اي مرة سابقة، ولا تفسر الكاريزما الشخصية وحدها تلك. او حتى توقعات السياسات خاصة في الشؤون الخارجية، فالولايات المتحدة تحكمها مؤسسات وسلطات موزعة تجعل من الصعب على اي رئيس ان يجري تغييرات مفاجئة في التحالفات او المصالح الخارجية، هكذا لمجرد انه رئيس جديد، وعادة ما يكون التغيير في الاسلوب اكثر منه في جوهر الامور.

اذا لماذا هذه الأوبامنيا خارج اميركا، وأقول خارج اميركا لأن متابعة الصحافة وردود فعل الناس خاصة في اوروبا وحتى في آسيا تدل على انهم صوتوا لصالحه بالفعل وان لم يملكوا حق التصويت. قد يكون السبب خليط امن الكاريزما الشخصية والرغبة الجارفة في التغيير؛ فقصة نشأة وصعود نجم السيناتور ذي الاصول الافريقية تشعل خيال كثيرين بأن العالم مقبل على تغيير، وانه الشخصية المناسبة لتمثيل إنسان القرن الواحد والعشرين، وهو قرن يحمل معه وجهين متعارضين ثقافيا وحضاريا، الأول هو انفتاح معلوماتي ومعرفي كل عن الآخر، بشكل غير مسبوق في التاريخ بما قد يحمله ذلك من تفهم وتعاون وتعايش واندماج، اما الوجه الآخر فهو النقيض ويحمل معه صداما وصراعا وشرا مستطيرا، وأيضا يلعب الانفتاح المعرفي والمعلوماتي وقدرة الكل في التأثير على الكل دورا في اعطاء الوقود اللازم لدعاة الصدام لحشد جمهورهم.

بين المناطق المهتمة بالطبع بحملة الرئاسة الأميركية منطقة الشرق الاوسط، وهي منطقة لعبت دورا كبيرا في صياغة عهد الرئيس بوش الذي بدأ عهده محاولا الابتعاد عنها، فوجد نفسه متورطا في كل تفاصيلها من العراق الى ايران الى السلام المتعثر. والرئيس المقبل أيا يكن الفائز من المؤكد انه من اليوم الاول ستكون المنطقة في أولوية اهتمامه. ولا يبدو ان هناك توقعات كبيرة، او حماس لأوباما خاصة بعد تصريحاته وزيارته الى اسرائيل. وان كان ينبغي القول ان مشكلة المنطقة تكمن فيها فهي اذا لم تساعد نفسها وتتمكن من التفكير في المستقبل بدلا من الماضي سيكون من الصعب على أحد أن يساعدها.