يرحمه الله ويرحمني إن كان ممكناً!

TT

كان لي صديق شيخ أزهري مقيم في الخارج. وبقي هناك بروحه وأفكاره المتجددة المتطورة. وكنت أحب الجلوس إليه. وكنت أشعر بأننا نمثل مدارس فلسفية مختلفة. وعندما نصل إلى نقط الخلاف بيننا يرجوني ألا أذهب أبعد من ذلك، حتى لا نفسد هذه الجلسة التي تضمنا نحن الاثنين. واستأذنت في إحدى المرات أن أنقل إلى الرئيس السادات بعض ما يدور بيننا. فكان يتردد ويقول لا داعي.. فالرئيس عقلية سياسية ولا يحب المناقشات العقلية ـ وكل الرؤساء كذلك.. وكان على حق.

فله آراء في الصوم والعمرة والحج. وله آراء في شرب الخمور والعطور والتداوي بها. وله آراء في الزي والماكياج والرقص والموسيقى والتماثيل واللوحات العبثية وتعدد الزوجات. باختصار أفكاره ثورية. وكان في كل مرة يؤكد لي أن هذا كلام بيننا.

ولما نقلت إليه اتفاق أستاذنا طه حسين معه، أضاف جديداً مما لا أعرفه عن طه حسين والحكيم والعقاد وسلامة موسى وغيرهم. واستوقفته عند كلام طه حسين في صلب المسيح عليه السلام، وكان طه حسين يقول، القرآن يقول: وما صلبوه يقيناً. وله تفسيرات كثيرة على ذلك!

ولما سألته ـ يرحمه الله ـ إن كان من الممكن نشر هذه الاجتهادات موجزة بعد موافقته عليها. فقال: يعدمونني... أطال الله في عمرك. وفي هذه الحالة: لا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها!

ولم أنشر فما أهمية أن تسلخ شاة ماتت. وأن يتهمك الناس، بأنني تأولت وتقولت وكذبت. ولا أريد أن تكسب على حسابي. ولا أن أخسر بسببه، إلى أن ظهر كتاب صغير للمستشرقة الإيطالية: كلوديا لمبوجيني يضم حوارات مع عدد من القساوسة ورجال الدين. وقالت عن هذا الرجل، عيبه الوحيد أنه كان مثل سجين رفيع المستوى لا هو قادر على تحطيم أبواب ولا تمزيق ملابسه وخروجه عارياً إلى الناس بريئاً من كثير من الخرافات. ويفضل أن يموت مستوراً أما حسابه فعند ربه. يرحمه الله، ويرحمنا إن كان ممكناً!