مات يوسف شاهين.. فمن يتولى نظارة المدرسة؟!

TT

مات عبقري السينما العربية يوسف شاهين.. رحل المخرج الذي اعتاد أن يطرح رؤيته الفنية ويمضي غير عابئا بحاشية المدح والقدح.. حينما عرض فيلمه الشهير «باب الحديد» عام 1958 لم يطق الجمهور أن يبقى طوال الوقت يشاهد فيلما تصفه بطلته هند رستم ـ لمجلة آخر ساعة المصرية ـ بالغرابة وتقول: «إنه عبارة عن 12 ساعة في محطة مصر مع الرجل العجوز، والولد الأعرج قناوي، والبنت الغلبانة هنومة التي تقفز من قطار إلى قطار!»، فخرج الجمهور متظاهرا يردد: «سينما أونطة» مطالبا بإرجاع ثمن التذاكر.. يومها شحذ النقاد نصال أقلامهم لذبح يوسف شاهين، فوصفوه بأنه أكبر كارثة إخراجية في تاريخ السينما المصرية، لكن الزمن أنصف الفيلم ومخرجه يوسف شاهين بعد ذلك، فلقد احتل الفيلم بعد نصف قرن المرتبة الثامنة ضمن أحسن مائة فيلم في تاريخ السينما العربية، الأمر الذي يؤكد أن يوسف شاهين كان يسبق عصره الفني بعقود، وأن رؤاه الفنية قد تحتاج إلى زمن طويل للوصول إليها وإدراكها.

ويروي الصحافي محمد التلاوي بعض المفارقات الغريبة في مسيرة يوسف شاهين السينمائية، ومنها رغبته في بداية حياته المشاركة بفيلم له في مهرجان فينيسيا السينمائي، فقوبل بالرفض من قبل المسؤولين عن المهرجان، وبعد إلحاح من يوسف شاهين منحوه فرصة عرض فيلمه في حفل العاشرة صباحا حيث الإقبال ضعيفا، وحينما دخل شاهين القاعة لم يجد سوى أربعة أشخاص فقط، وبدون مقدمات هبت عاصفة كبيرة دفعت بكل من كان على شاطئ البحر إلى الاحتماء بقاعة العرض، فامتلأت القاعة بأكملها، وتعرف الناس يومها على يوسف شاهين رغم أنوفهم ليكتشفوا هذا العبقري العربي الذي لم يقدره منظموا المهرجان فأنصفته العاصفة.

مات يوسف شاهين أو «جو» كما يحلو للكثيرين مناداته تاركا خلفه 40 فيلما، أولها «بابا أمين» عام 1950، وآخرها «هي فوضى» عام 2007، وتضم القائمة بينهما مجموعة من أهم روائعه مثل: «باب الحديد»، «الناصر صلاح الدين»، «إسكندرية ليه»، «إسكندرية كمان وكمان»، «حدوتة مصرية»، «الأرض»، «المهاجر»، «المصير»، و«الآخر»، وهي أفلام تكفل ليوسف شاهين البقاء حيا في تاريخ السينما وذاكرة الفن.. مات يوسف شاهين لكنه ترك خلفه مدرسة فنية تضم عددا من تلاميذه في الإخراج، ومن أبرزهم المخرج الفنان خالد يوسف، المتخم بيوسف شاهين حتى النخاع، والذي أثار فيلمه «حين ميسرة» جدلا واسعا يشبه إلى حد كبير الجدل الذي تثيره أفلام أستاذه، وهو أكثر المؤهلين اليوم لنظارة هذه المدرسة الفنية بعد رحيل الناظر، والمؤسس، والرائد يوسف شاهين، الذي جعل السينما في عهده متعة ذهنية لا تنتهي بانتهاء الفيلم بل تظل تستشعر متعتها وأنت تفكر في الأحداث والصور والشخوص التي تركها «جو» تواصل العرض في دواخلك أياما طويلة.. مات يوسف شاهين، فما أفدح الخسارة التي منيت بها السينما العربية!

[email protected]