هل اتهام البشير رحمة للسودان؟

TT

اعتبر وزير الخارجية السوداني دينق ألور، أن قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية باتهام الرئيس السوداني عمر البشير وطلب توقيفه، قد يكون بمثابة «الرحمة الخفية» لأهل دارفور. بل إن وزير الخارجية السوداني، قال إن القرار قد يكون رحمة للبلاد كلها.

كلام الوزير جاء بعد أن شرعت الخرطوم في خطوات عملية، حيث سمحت بإخراج مئات الحاويات الخاصة بمساعدة ضحايا دارفور التابعة للأمم المتحدة، بعد أن كانت محتجزة في الميناء. كما قامت حكومة البشير بتسهيل إجراءات منح تأشيرات الدخول الخاصة بمقدمي العون. وكبيرة المسؤولين عن تقديم العون التابعة للأمم المتحدة أميرة حق تقول «إننا نتلقى مؤشرات قوية على الرغبة في التعاون» من قبل الحكومة السودانية.

كل ما سبق جعل وزير خارجية حكومة البشير، لا ممثلا من ممثلي المعارضة أو غيرهم، يقول «نحن الآن نتحدث بجدية عن حلول لأزمة دارفور»، مضيفا أن هناك تفكيرا جديا لدى حكومة بلاده في التعاون التام مع قوات حفظ السلام الخاصة بالأمم المتحدة في دارفور، بعد زمن من الممانعة. وعلى أثر ذلك يقول دينق ألور «لو أخذنا قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية من هذه الزاوية، فهذا يعني أن قرار اتهام البشير جاء بمثابة الرحمة للبلاد كلها».

وبالطبع هنا درس لا يمكن تجاهله، فبدلا من أن تشرع الحكومة، أي حكومة، في معالجة مشاكلها بالتجاهل والقمع، وتثبت قوتها بالردع، فإن عليها أن تثبت مشروعيتها بتقديم الحياة الكريمة للجميع، وتكفل للناس أمنهم وقوتهم، أيا كانت دياناتهم، أو أصولهم.

أيضا من المهم تسجيل ملاحظة هنا، حيث تشير المعلومات إلى أن الخرطوم تسعى للحصول على مبلغ مالي يصل إلى 500 مليون دولار، لتقديمه إلى ضحايا دارفور، وهذا أمر ثبت عدم جدواه في عدة أزمات عربية أخرى. فلا بد أن تقدم الأموال في سبيل استثمارات في دول مستقرة، لا أن تقدم الأموال لشراء حلول للسودان أو لبنان أو فلسطين وغيرها من القضايا التي سعى البعض لحلها بتقديم الأموال.

هذه هي الحقيقة وإن أغضبت، خصوصا أن أخا سودانيا أبلغني بأن هناك غضبا في أوساط الحكومة السودانية على شخصي، والصحيفة، بسبب التغطية الصحافية لخبر توجيه الاتهام للرئيس السوداني البشير.

المشكلة التي تتجاهلها الحكومة السودانية وغيرها من دول المنطقة، أنه ليس بوسع الإعلام حجب الحقائق. فالحكومات العربية ترى أن السيطرة وقمع وسائل الإعلام أسهل من القيام بواجباتها تجاه شعبها وبلادها.

فها هي الخرطوم قد شرعت في التعاون مع الأمم المتحدة، وبدأت النظر في تقديم حلول «جدية» لأزمة دارفور، بعيدا عن الشعارات. كما أن وزير خارجيتها يرى في اتهام البشير رحمة خفية للسودان ككل!

إنصاف ضحايا دارفور، وتحقيق العدالة لمئات الألوف من الضحايا والقتلى، وتقديم كل ما يكفل الحياة الكريمة للمواطن العربي، والسوداني تحديدا، أنجع بكثير من حجب وسائل الإعلام وقمعها. هذا هو الدرس الذي يجب استخلاصه من أزمة البشير اليوم.

[email protected]