عندما استعانت الجامعة بالشرطة

TT

ما يدعو للسرور أن الشرطة استدعيت لفك اشتباك وإنهاء فوضى وقعت في جامعة الحدود الشمالية في السعودية، أما سبب الاحتفاء بالحادثة لأنها معركة بين الفتيات من خريجات المدارس الثانوية عندما تعاركن من أجل محاولة التسجيل في الجامعة. يقول متحدث باسم الشرطة إن الاجهزة الامنية اضطرت للتدخل، بطلب من الجامعة، بسبب رفض الطالبات الخروج من مراكز التسجيل، وإصرارهن على إحداث الفوضى حتى يدخلن الجامعة الجديدة التي امتلأت فور بدء عامها الدراسي الجديد. وحلاً للمشكلة اضطر عميد القبول الى تسجيل كل البنات.

ومع ان حادثة مدينة عرعر انتهت إلا ان القصة الأهم قد ظهرت. فمن المؤكد ان المجتمع المحافظ تجاوز وأنهى مراحل مهمة في مسيرة تعليم المرأة. المسيرة بدأت قبل اربعين عاما عندما فتحت الحكومة اول مدارس للبنات وسط سخط ورفض اجتماعي كبير، اعقبها جدل حاد وأحداث كثيرة تبدلت بعدها وبسببها المفاهيم والتوقعات. انتقل المجتمع من زمن رفض المدارس الى التقاتل على مقاعد الدراسة الجامعية. اليوم يوجد نحو خمسين الف فتاة تتخرج سنويا من الجامعات والمعاهد المختلفة، واكثر من نصف مليون في قطاع العمل الحكومي، رقم يؤكد تغييرا مذهلا، ويدلل على الحاجة الى مراعاة الوضع الجديد. فالإقبال الكاسح على التسجيل، وطوابير التخرج من المدارس والجامعات مثل طوابير النمل، تشير بدورها الى طبيعة المستقبل. معركة بنات مدينة عرعر تعني الاصرار على حق التعليم الجامعي لا العام فقط.

ونجاح المرأة في التعليم يبدو مثيرا للاهتمام على كل المستويات لدلالاته الاجتماعية المختلفة مما يطرح الاسئلة التقليدية في فصول السنة التقليدية ايضا، وقت التخرج والخروج الى سوق العمل. لقد أضحت المشكلة عامة وليست خاصة بالفتيات. بقيت معضلتان، بعد نهاية رفض التعلم، واحدة عند دخول المدرسة من حيث نوعية الدرس، والثانية ما بعد الخروج من باب المدرسة. ولأن نوعية التعليم لا ترضي حاجة سوق العمل فإن النتيجة طبيعية، فيضان من الخريجين وجفاف في الوظائف للجنسين. التعليم بوضعه القائم لا يؤهل الخريج ان يكون موظفا، ولا ان يكون مفيدا لنفسه حتى في منزله، وكذا بالنسبة للخريجة. أي اننا امام نجاح في دفع الناس نحو التعلم، وإخفاق في الاستفادة من الاموال الهائلة التي تنفقها الحكومة على التعليم، ثم تضطر الحكومة مرة ثانية لتنفق مبالغ هائلة لاستيعاب الخريجين باستحداث وظائف هدفها إعالتهم اكثر من أنها اعمال منتجة.

يبرز في المجتمع تبدل مهم في مفهوم دور المرأة، انتقل من القبول بالتعليم الى نهاية السلم الجامعي، الى اعتبار المرأة ممولا لمحفظة المنزل. صارت الاسرة تعتبر توظيف ابنتها ضرورة لتحسين الوضع المعيشي، كما كان الفلاح ينظر الى أولاده كأيد مفيدة في الحقل. هذا النجاح الذي لا يراه كثيرون، بسبب تركيزهم على التفاصيل، يستحق ان يطور الى الاهتمام بتعليم نوعي وتوظيف منتج. وهذه حاجة عامه لفئتي المجتمع لا المرأة فقط.

[email protected]