قميص النوم (التركواز)

TT

تستطيعون أن تعتبروني من مدمني مشاهدة القنوات التلفزيونية الوثائقية مثل (ديسكفري) أو (الجزيرة الوثائقية) أو ما شابههما.. وهذا الإدمان الذي لا أنكره ولا أخجل منه إنما هو أبرك على الأقل ممن يدمنون على (المعسّل أو الجراك) ـ مع أنني اعترف لزوم المصداقية و(التوثيق) أنني أحياناً (أشفط) عدة شفطات سريعة من لي (الشيشة) ـ إذا كان نديمي ذا وجه صبوح، لكن هذا لا يتم إلاّ كل شهر مرة ـ على وزن أغنية فيروز (زوروني كل سنة مرة) ـ ولا يفسدني من ذلك المنكر غير (أولاد الحلال) من بعض الأصدقاء الذين نفخ الشيطان في رؤوسهم ـ الله لا يعطيهم عافية.

أعود لموضوعي الذي كدت أنساه بعدما لعب (دخان) المعسل في نافوخي اللولبي، وأقول: إنني فعلا أحب أن أشاهد البرامج الوثائقية سواء ما كان منها يخص الإنسان أو الحيوان أو النبات ـ لا البنات، انتبهوا أرجوكم ـ ولا كذلك الحيوان أو التاريخ أو الاختراعات أو حتى الكوارث والمصائب ـ وهذه الأخيرة أشاهدها وأنا مغمض عينا ومفتح عينا كأي ثعلب (بطران).

وفي الليلة البارحة كنت وحيداً وسعيداً وواضعاً رجلا فوق أو تحت رجل، وارتشف بهدوء مبالغ فيه كأساً (محكوراً) من شراب (البابونج) المحبب إلى قلبي عندما أكون في أحسن حالاتي.. وبينما كنت في هذا الجو المفعم بالحبور، وإذا بي أشاهد في فيلم وثائقي دجاجة برية يتبعها خمسة من (الصيصان)، وكانت تنبش بقدميها الأرض وتتسابق فراخها لتأكل ما تجود به الأرض.

وفجأة (وبحاستها السادسة) رفعت رأسها للسماء، وإذا بها تشاهد صقراً يحلق فوقها، وأخذت (تكاكي) وتجري هاربة وكأنها تحذر صغارها وتقول لهم اتبعوني، غير أن صغارها كأي أطفال سذج لا يحسون ولا يقدرون الخطر ظلوا كما هم ينقرون في الأرض ولم يتبعوها.

التجأت الأم إلى جذع شجرة يحميها، ولكنها عندما شاهدت الصقر ينحدر من الأعالي منقضاً على صغارها، وإذا بها تسابقه بأسرع من الريح، وتجثم فاردة جناحيها عليهم، وإذا بذلك الصقر في تلك اللحظة ينقض على ظهرها بمخالبه ويرتفع بها إلى عنان السماء وكان ريشها يتطاير على صغارها الذين رفعوا رؤوسهم إلى الأعلى ينظرون إلى أمهم التي اختفى صوتها عنهم، وتراكضوا جميعا إلى جذع الشجرة التي أرادت أمهم أن يحتموا بها.

إنني أسألكم: بالله عليكم ألا تستحق تلك الدجاجة جائزة (نوبل)؟!

قد يجيبني البعض عن سؤالي هذا قائلين: نعم إنها تستحق ذلك عن جدارة.

ولكنني أيضاً وكعادتي المملة التي لا تتعب من التساؤل وأقول لكم: ماذا يستحق أو بماذا تصنفون ذلك الرجل الذي شاهدته في (بوتيك) لملابس الرجال والنساء، وكنت (بالمصادفة) قريباً منه جداً، وغصب عني وبدون أن أكون مسترقاً للسمع، سمعته وهو يقول للبائع: لو سمحت أريد قميص نوم لزوجتي، أريد لونه (تركواز) وناعم الملمس وشفافاً ورقيقاً على الجلد.

فقال له البائع: ولو، أنت تأمر. وذهب وغاب لعدة دقائق، وتسمرت أنا في مكاني لكي أمتع نظري على الأقل برؤية قميص النوم (فريحة أبو زيد ولا عدمه). أحضر البائع القميص وفرده أمام الرجل الذي أخذ يتحسسه، ثم قال للبائع: هل أنت واثق من أن هذا التطريز لا يخدش الجلد؟!

فقال له البائع: يمكن، ولكن ذلك هو من الخارج.

فجاوبه الرجل: وهو يترقوص ويتضاحك وكأنه يمزح وقال: المشكلة أنني أنا الذي سوف أكون في هذه الجهة (ها، ها، ها). وغصب عني تدخلت بالحديث بينهما وقلت للرجل: معاك حق، انتبه إلى جلدك، يا حبة عيني.

فنظر لي بعين دبلانة وقال: هل أنت تعرفني؟!

لم أرد عليه، ولولا أنني احترمت نفسي، (لزغزغته) بيدي من خاصرته، ولا أعتقد انه سوف يمانع.