دعوني أتفرج على المشنقة!

TT

هل صحيح أن الحياة مهزلة لمن يفكر فيها.. مأساة لمن يشعر بها؟ هل صحيح أن التناقض في الحياة يزغزغ العقل ويمزق القلب؟ يبدو أن هذا صحيح، فالإنسانية خطر والإنسان هو مصدر الخطر طبعاً، فالعقل الإنساني بكل قدراته يقضي على العقل.. فما معنى العقل وما معنى فقدان العقل؟ ما هي الحدود بين العقل والجنون؟ ومن هو المسؤول ومن هو البريء ومن هو المجرم؟

إن هذا الشعور بانعدام الحدود بين العقل والجنون، بين الإنسان والحيوان، بين التطور والنكسة، بين الأمل واليأس، إن هذا الخليط الهائل هو المادة الأساسية التي يتكون منها الفكر الحديث.

فالجحيم هو أن ننظر إلى شيء من ثقب في الحائط، أن نرى ونتعذب في عجز، ولا نكف عن المعرفة بأي ثمن كما فعل «باربيس». وإذا أردنا أن نثور لكرامتنا، وأن ننتقم ممن اعتدى علينا فبدافع من الندم، وللندم أجنحة الذباب كما صوره سارتر.. وعندما نريد أن نستريح من عذاب الضمير فإننا نعترف بالجريمة في برود ونلقي بهموم التاريخ على رؤوس المتفرجين كما فعل آرثر ميللر في مسرحية «بعد السقوط».

وإذا خفنا من أن يفقد العقل قدرته على المقاومة تظاهرنا بالجنون، كما فعل ديرنمات في مسرحية «علماء الطبيعة»، فقد هرب عالم كبير إلى مستشفى الأمراض العقلية لأنه وجد أن التظاهر بالجنون هو منتهى العقل.

ولا شيء يدل على أن الإنسانية قد بلغت أقصى درجات الجنون من أن الناس جميعاً يتكلمون معاً في وقت واحد، فلا أحد يدري ما يقول ولا يقوله الآخرون.

لقد تقارب الناس جداً ولكنهم لا يسمعون بعضهم بعضا كأنهم يعيشون في كواكب بعيدة، إذن فالناس تقاربوا حتى تباعدوا وهذا الشعور بالغربة والغرابة هو الذي يبرر ظهور مسرح «العبث» عند يونسكو وبكيت وتوفيق الحكيم.

ولا شك أن الكاتب الألماني بيتر فايس قد أحسن الاختيار عندما جعل أبطال مسرحيته في مستشفى المجانين، فأبطاله: الزعيم الصحفي، طبيب العيون الثوري جان بول مارا.. والفتاة التي قتلته بالسكين، شارلوت كورداي.

إننا نعيش في عصر المعرفة بأي ثمن. إن شارلوت كورداي نفسها سألوها إن كانت لها رغبة أخيرة قالت وهي تضحك: أتفرج على المشنقة!