«الحضور» الأميركي في جنيف ينتظر «تجاوبا» من إيران

TT

يوم السبت المقبل في الثاني من آب (اغسطس) على ايران ان تجيب عن المقترحات التي عُرضت عليها يوم التاسع عشر من هذا الشهر في اجتماع جنيف الذي شارك فيه مساعد وزيرة الخارجية الاميركية ويليام بيرنز. واذا لم تكن اجابات ايران مقنعة، فان المسؤولين الاميركيين سيتقدمون في الخريف المقبل بخطة الى مجلس الأمن لاصدار قرار دولي جديد، كما ان المجموعة الاوروبية ستضاعف من اجراءات المقاطعة، ثم ان الروس والصينيين بدأوا يفقدون صبرهم، واذا كان الاميركيون في السابق قلقين لأنهم لم يهيئوا «الخطة ـ ب»، كما يقولون، فان اداء ايران في اجتماع جنيف وفر لهم تلك الخطة.

في الأشهر الأخيرة من حكمها تريد ادارة الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش في قراراتها اعتماد التوافق الدولي المتعدد الاطراف، والابتعاد عن المواجهة الاحادية ما يعني ان ايران ستخيم وبقوة على اولويات ادارة الرئيس الاميركي المقبل.

ومنذ ان اصبحت كوندوليزا رايس وزيرة للخارجية، اعتمدت استراتيجية دعم جهود المفاوضات مع ايران التي تقوم بها الدول الخمس الاعضاء في مجلس الامن، اضافة الى المانيا المرتبطة بعلاقات تجارية واسعة مع ايران. الا ان بعض المفاوضين الاوروبيين شعروا بأن هذه المفاوضات لا يمكن ان تنجح من دون دعم قوي من اميركا، لأن ما تريده في الحقيقة ايران، انما تريده من الولايات المتحدة ولأن مخاوفها الامنية منبثقة من الوجود الاميركي.

ان «حضور» بيرنز اجتماع جنيف حافظ على قرار الادارة الاميركية بأنها لن تدخل في مفاوضات مع الايرانيين اذا استمروا في تخصيب اليورانيوم، وفي الوقت نفسه، اعطى ذلك «الحضور» دعما اميركياً للمفاوضات.

واشنطن وصفت ذلك «الحضور» بأنه لمرة واحدة فقط، لكن هذا الامر مستبعد، خصوصاً ان الايرانيين لن يتجاوبوا لمجرد حضور اميركا للاجتماع، لذلك من المتوقع ان تستمر عمليات الشد والجذب، مع ما يتخللها من اجراءات وربما قرارات دولية، حتى مغادرة الرئيس بوش البيت الابيض في كانون الثاني (يناير) 2009.

وحسب مصادر غربية مطلعة، فان المسؤولين الاميركيين كانوا مرتاحين لنتائج مؤتمر جنيف، ليس لأن الايرانيين كانوا واضحين في ما يتعلق ببرنامج ايران النووي بل على العكس، فالورقة التي قدموها كشفت عن عنادهم، وهذا حسب الاميركيين كان امراً جيداً لأنه زاد من القلق الدولي وبالذات من جانب روسيا والصين. اما القلق الاوروبي المتمثل بفرنسا وبريطانيا، فقد انضمت اليه ايطاليا حيث لا يمانع رئيس وزرائها سيلفيو بيرلوسكوني من تقليص حجم التجارة الايطالية مع ايران. وتميل التوقعات الى مضاعفة الضغوط المالية على ايران بشكل لافت جداً، اذ أصرت طهران على مواقفها السلبية. ورغم انه بالاضافة الى الحوافز الاقتصادية عُرض على ايران الاعتراف بأنها لاعب كبير في المنطقة، لكن، يعتقد مصدر غربي، «ان ايران في ظل ارتفاع اسعار النفط، والدور الذي يقوم به «حزب الله» المرتبط مباشرة وكلية بها، في لبنان تشعر بأن نفوذها السياسي والعسكري يمنعها من تقديم اي تنازلات ". ويضيف: «ان ايران تزداد خطورة، والخوف ان ثقة المسؤولين الايرانيين بأنفسهم تقودهم الى الاعتقاد بأنهم قادرون على القيام باعمال، هم في الحقيقة لا طاقة لهم عليها».

لكن، ليس كل المسؤولين الايرانيين يميلون الى هذا التوجه، فهناك نقاش داخلي مهم يجري حالياً وهو يُذكر بقرار القيادة السياسية عام 2006 عندما علّقت برنامج التخصيب عند بدء المفاوضات مع الاوروبيين. ويقول لي مصدر ايراني مطلع: «ان النقاش الدائر حالياً في طهران قد يستمر ويتفاعل حتى موعد الانتخابات الرئاسية حيث من المتوقع فوز واحد من المعتدلين»، ولم يستبعد محدثي ان يترشح الرئيس السابق محمد خاتمي للرئاسة و... يفوز.

وكما ترك لقاء جنيف انعكاساته على الداخل الايراني، فانه اكد هزيمة من تبقى من المحافظين الجدد في الادارة الاميركية، وأظهر العودة الى التوجه الاميركي التقليدي نحو الحلول الديبلوماسية. ولعقود ستة قبل عمليات 11 سبتمبر 2001، كانت السياسة الاميركية تعتمد عدم عزل العدو كلياً، وتفضيل المصلحة الأمنية الاميركية على فرض الديموقراطية، والتحجيم الذاتي للقوة الاميركية مقابل كسب الدعم الدولي.

ويوضح لي المصدر الغربي، ان المشاركة ولو بالحضور فقط في لقاء جنيف هي جزء من استراتيجية اوسع تعتمدها وزارة الخارجية الاميركية، وتهدف الى افقاد ايران لتوازنها، وجزء آخر من هذه الاستراتيجية، كان الاعلان عن الرغبة في فتح ممثلية اميركية في طهران ـ لاستئناف الوجود الاميركي الديبلوماسي ـ شبيهة بتلك التي لايران في واشنطن، الموجودة تحت الرعاية الباكستانية. فاذا رفض الايرانيون يؤكدون خبثهم وخوفهم، واذا وافقوا تكون واشنطن اقتربت من الاطلاع عن كثب ومباشرة على ما يجري داخل ايران.

ولوحظ ان وزير الدفاع الاميركي روبرت غايتس يدعم استراتيجية وزارة الخارجية. كذلك يدعمها رئيس الاركان الادميرال مايكل مولن مع العلم انه لم يمض سوى اربعة اشهر، على دفع قائد القيادة المركزية الادميرال ويليام فالون الى الاستقالة بسبب نشره مقالاً اعتبر استرضائياً لايران.

هناك ايضاً دوافع سياسية انتخابية اميركية، للخطوات الاخيرة. ويعترف مسؤولون اميركيون، بأن اميركا تواجه ايران على جبهات اربع: لبنان، العراق، افغانستان والخليج، ويعتبرون ان امكانية دفعها الى التراجع محتملة اذا فاز الديموقراطيون في الانتخابات وعادوا الى البيت الابيض: «ان افضل فرصة امامنا لكبح طموحات ايران تكمن بالضغوط الدولية، والمجتمع الدولي على استعداد ان يتبنى قرارات الرئيس باراك اوباما». على كل، ومن جهة اخرى، بعد مغادرة الرئيس بوش للبيت الابيض، قد يواجه الجمهوريون احتمال سيطرة الديموقراطيين على البيت الابيض وعلى الكونغرس بمجلسي الشيوخ والنواب.

ان السياسة الخارجية (حروب وعزل) التي اعتمدها الرئيس بوش خسرت مصداقيتها داخل الولايات المتحدة لا سيما ان استطلاعات الرأي العام تشير الى اعتبار اغلبية الاميركيين ان حرب العراق كانت غلطة فادحة، ومع هذا، لا يوجد توافق بين صفوف الجمهوريين حول السياسة الخارجية التي يجب اتباعها بعد انتهاء رئاسة بوش.من هنا، يواجه المرشح الجمهوري جون ماكين مناوئاً ديموقراطياً يستمر في كسب تغطية ايجابية لحملته، وتركة ادارة جمهورية فقدت شعبيتها، ويضطر ماكين، مجبراً، للاختيار ما بين سياسة ادارة بوش فاقدة المصداقية والمواقف التقليدية الاميركية التي يتبناها المرشح الديموقراطي باراك اوباما. ويقول العارفون ان التغيير الاخير في توجهات ادارة بوش يهدف الى مساعدة ماكين سياسياً.

ويقول مصدر اميركي، انه على الرغم من تصريحات ماكين في حملته الانتخابية، «فان سجله في مجلس الشيوخ يدل على ميله الى الحوار مباشرة مع المجموعات المصنّفة معادية لاميركا، ابتداء من «حماس»، وصولا الى سوريا وأبعد... حتى ايران». ويضيف: «ان الولايات المتحدة ستكون اكثر استعداداً لاعتماد التوجه الديبلوماسي مع «اعدائها»، بغض النظر عن الفائز في الانتخابات الرئاسية في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وستكون الأمور اسهل، اذا بدأت المفاوضات مع «هؤلاء» من الآن، ولم تنتظر حتى شهر كانون الثاني (يناير ) 2009».

ان اتخاذ قرار التفاوض المبدأي مع طهران يجعل من المستبعد احتمال ان تشن ادارة بوش هجوماً على ايران قبل انتهاء ولايتها، لكن هذا لا يجب ان يدفع ايران الى الشعور بأن الساحة في المنطقة خالية امام تحركاتها، اذ بدأت افغانستان تشتكي من تسهيل ايران مرور اتباع «القاعدة» الى اراضيها، كما ان على ايران ألا ترتاح للتطورات في العراق. ان الشعور المتزايد لحكومة نوري المالكي بالاستقلالية لا بد ان يدفع طهران لمراجعة حسابات علاقاتها مع بغداد، فهي اعتادت على التمتع بحرية تحريك جماعاتها في العراق لزيادة الضغوط على اميركا، لكن الآن مع تمرس الحكومة العراقية وشعور العراقيين بأن العراق لهم وليس لايران، على الاخيرة ان تكون اكثر حذراً، لأن من الافضل لها وجود حكومة صديقة في بغداد وليس العكس.