الضفة وغزة.. معركة الاقتتال على الرئاسة الفلسطينية !

TT

دعوة محمود عباس (أبو مازن) لاستئناف الحوار الوطني، التي أطلقها من القاهرة قبل أيام، بعد لقاء الرئيس المصري حسني مبارك، لا يمكن اعتبارها مؤشر خير وتفاؤل، فالوضع بين حركة المقاومة الإسلامية وحركة «فتح» تجاوز كل الخطوط الحمر والأمور اندفعت مرة واحدة بعد متفجرات غزة الأخيرة نحو الحرب المفتوحة بين هاتين الحركتين المتنافستين اللتين غدا مجرد الحديث عن تفاهمهما واتفاقهما مهزلة ومضحكة، إذْ اتضح أن ما بينهما ليس مجرد وجهات نظرٍ مختلف بشأنها وإنما صراع إلغائي لا يمكن حسمه إلا بقوة السلاح.

ربما ان المثل القائل: «إشتدي أزمة تنفرجي» ينطبق على صراعات وخلافات أخرى إلا أنه ثبت بما لا يقبل الشك أنه لا ينطبق على هذه الحالة الفلسطينية المستعصية، والسبب أن حركة «حماس» التي جاءت متأخرة نحو ربع قرن والتي أوُجِدَتْ، بعد إخراج منظمة التحرير من لبنان حيث تراجعت وأصابها الإعياء، بالتزاوج بين قرار التظيم العالمي للإخوان المسلمين وقرار ثورة إيران الخمينية قد جاءت وهي مصممة على إلغاء هذه المنظمة وإلغاء حركة «فتح» وإلغاء الفصائل والتنظيمات الأخرى بعد استخدامها لفترة انتقالية لأغراض ديكورية.

لا يشبه هذا الهجوم الأخير الذي قامت به حركة «حماس» في غزة إلا ذلك الهجوم الذي قام به حزب الله على بيروت الغربية ومنطقة الجبل في السابع من مايو (أيار) الماضي، فالهدف هو الهدف نفسه وهو توجيه ضربة صاعقة ومدمرة للخصم حتى إذا تحرك وسطاء الخير وجرت مفاوضات جديدة تجري على أساس ان هناك منتصراً لا بد ان يقبض ثمن انتصاره مواقف سياسية، وأن هناك مهزوماً يجب ان يدفع ثمن هزيمته ويسلم للمنتصر بما يريده ويسعى إليه.

قبل مسلسل التفجيرات الذي قالت «حماس»، ولا تزال تقول، إنه استهدف عدداً من قياداتها من بينهم نائب رئيس المجلس التشريعي خليل الحية الذي وفقاً للقوانين الفلسطينية من المفترض ان يحل محل (أبو مازن) لفترة انتقالية إذا شغر موقع رئيس السلطة الوطنية، كانت حركة المقاومة الإسلامية قد أعلنت حالة الاستنفار العام، سياسياً وإعلامياً وأمنياً وعسكرياً، وهو استنفار فُهم على أن هناك انقلاباً جديداً كالانقلاب الذي قامت به هذه الحركة في الرابع عشر من يونيو (حزيران) عام 2007 والذي أحدث هذا الشرخ الكبير حيث أُنشئت دولة غزة مقابل دولة السلطة الوطنية في الضفة الغربية.

وهكذا، وحتى قبل مسلسل التفجيرات هذا المشار إليه، فإن مغاوير حركة «حماس» بادروا الى احتلال باقي ما تبقى من رموز السلطة الوطنية في قطاع غزة، وقد ترافق هذا مع اعتقالات ومطاردات واسعة النطاق شملت حتى كبار قياديي حركة «فتح» وشملت منع أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الموجودين في هذه المنطقة من السفر الى رام الله لحضور اجتماع كان من المفترض ان تعقده هذه اللجنة للنظر في ما انتهت إليه الأمور على صعيد الوضع الداخلي الفلسطيني وفي ما انتهت إليه الأمور بالنسبة لعملية السلام والمفاوضات مع الإسرائيليين.

لم يتوفر ما يؤكد إدعاء «فتح» بأن تفجيرات مساء يوم الجمعة الماضي جاءت في إطار خلافات داخلية عاصفة داخل حركة حماس بين تيار الخارج الذي يمثله خالد مشعل وتيار الداخل الذي يمثله الدكتور محمود الزهار ومعه سعيد صيام وبعض كبار العسكريين مثل محمد ضيف وأحمد الجعبري وذلك رغم وجود مثل هذه الخلافات فعلاً، ولعل الأقرب الى المنطق ان حركة المقاومة الإسلامية التي باتت تتصرف على أساس ان ولاية محمود عباس (أبو مازن) كرئيس للسلطة الوطنية ستنتهي في الخامس من يناير (كانون الثاني) المقبل وأنه لا بد من استباق هذا الموعد بحسم الامور نهائياً و«تنظيف» غزة من أي بقايا لحركة «فتح» ولمنظمة التحرير حتى يكون انتقال الرئاسة الفلسطينية إليها تلقائياً و«بسلاسة»!! وبدون أي مشاغبات أو إخلال بالأمن.

إن الدليل على هذا هو ان «حماس» لم تنتظر ولو للحظة واحدة نتائج التحقيق في انفجارات مساء يوم الجمعة الماضي والانفجارات التي سبقتها واستهدفت بعض مقاهي «الإنترنت»، التي يصفها المتشددون في غزة بأنها «أوكار دعارة» لا بد من تدميرها، بادرت وعلى الفور وقبل لملمة أشلاء الذين مزقت أجسادهم هذه الانفجارات وقبل نقل الجرحى الى المستشفيات بإعلان ان حركة «فتح» هي المتورطة وأنها هي المسؤولة، وقد ترافقت هذه الاتهامات مع رفع وتيرة العمليات الميدانية، الأمنية والعسكرية، ضد باقي ما تبقى من مراكز للسلطة الوطنية ومن رموز «فتحاوية».

واللافت هنا أنه تم كشف النقاب بعد كل هذا الذي حصل عن ان السلطة الوطنية بدأت تفكر وتدرس بجدية وللمرة الأولى منذ انقلاب الرابع عشر من يونيو (حزيران) 2007 ضرورة اعتبار قطاع غزة إقليماً متمرداً «يخضع لسيطرة عصابة نفذت عصياناً مسلحا» والمتوقع ان تترتب على هذه الخطوة، إن هي أُتخذت فعلاً، تبعات قانونية وإدارية ومالية واقتصادية، ولعل ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال ما قاله رئيس كتلة حركة «فتح» في المجلس التشريعي الفلسطيني عزام الأحمد لصحيفة «الشرق الأوسط» ونشرته في عدد يوم الاثنين الماضي وهو: «إن من حق الحكومات الشرعية عندما يكون هناك عصيان مسلح في أحد أقاليمها ان تستخدم القوة المسلحة لإنهاء العصيان.. وطلب المساعدة ممن تشاء». ولعل ما يشير الى أن هناك تفكيراً جدياً بهذه الخطوة من قبل السلطة الوطنية ومن قبل حركة «فتح» أن وزير الإعلام الفلسطيني رياض المالكي تناغم مع ما قاله عزام الأحمد في هذا التصريح الآنف الذكر عندما دعا الى نشر قوات عربية في قطاع غزة لإجهاض ما تفكر به حركة «حماس» لجهة اعتبار ولاية محمود عباس (أبو مازن) منتهية بحلول الخامس من يناير (كانون الثاني) المقبل، وقد ردت حركة المقاومة الإسلامية على هذا بالقول: «إن هذه الدعوة تدلل على سوء النوايا لدى فريق الرئاسة في رام الله وطبيعة الأهداف التي يريد تحصيلها من إثارة قضية الحوار الوطني».

إذنْ.. إن هذا هو واقع الحال وأن حركة «حماس» التي حاورها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، حتى قبل انطلاقها في عام 1987 وعندما كانت لا تزال مجرد فكرة في رأس التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وفي رأس الولي الفقيه في طهران، لنحو عشرين عاماً بدون أي جدوى وبدون أية نتائج والتي بقي محمود عباس (أبو مازن) يحاورها على مدى الأعوام التي أعقبت رحيل (أبو عمار) بدأت تنفذ آخر مراحل سبب إنشائها وهو القضاء على السلطة الوطنية وعلى «فتح» ولاحقاً على حركة «الجهاد الإسلامي» وباقي الفصائل الأخرى والهيمنة كلياً على الحالة الفلسطينية كلها.

هذه هي الحقيقة، ولذلك فإن دعوة (أبو مازن) لاستئناف الحوار الوطني التي أطلقها من القاهرة قبل أيام لن تكون أكثر من صرخة في واد سحيق، ولذلك أيضاً فإنه ما كان ضرورياً ان تكون كل هذه الوساطات منذ ان أفْشلت حركة «حماس» اتفاق مكة المكرمة، ولذلك أيضاً وأيضاً فإن الخط الذي من المفترض ان تعمل عليه السلطة الوطنية بعد ان حصل كل هذا الذي حصل هو إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بإشراف دولي من خلال الأمم المتحدة وبإشراف عربي من خلال الجامعة العربية قبل الخامس من يناير (كانون الثاني) المقبل.